الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

ابن تيمية فيلسوف المادية.. نقض ا"للغة/الأصول" والتلبيس على العامة (6)

‏أما في الجانب اللغوي: 
‏فمعلوم أن اللغة علم قائم كلي وألفاظ دالة على معاني مجردة
‏وهذه بأكملها ينكرها ابن تيمية بسبب إنكاره للعقل وواقعية كل ماهو ليس جسما أو قائم في جسم.
‏فالذي لزم عنه هو إبطال اللغة كعلم قائم ثابت وأصول الفقه كعلم عقلي لضبط فهم اللغة فأصول الفقه علم مبني على الأصول الفلسفية والمعرفية وليس مستقل
‏-ولذا وقع أتباع ابن تيمية في مأزق اللا أصول ولفّقوا مؤخرا أصولا تخالف منهجهم الفلسفي هم فيها عالة على أهل السنة فكتب الأصول التي يستعرضون بها كتب سنية أشعرية مبنية على "نظرية المعرف العقلية التي شرحتها" -
‏ومن ذلك نشأت عند ابن تيمية فكرته في "إنكار المجاز"..

‏فكما نعلم المجاز يعني أن اللفظ وضع وضعا أوّلي لمعنى مجرّد 
‏"كلفظ أسد" فهو يدل على معنى إن تجرد لا على أسد معين وهذا المعنى ينطبق تماما على كل ماتحققت فيه "ماهية الأسدية"
‏ثم بمعرفة الوضع الأول نحدد المجاز وهو الإستعمال الثاني لِلّفظ ونحدد المنقول والمشترك والمضمر والعام والخاص ومن مثل هذا ينشأ علم اللغة وعلم أصول الفقه فلايستطيع أحد العبث في اللغة ولو بعد آلاف السنين "فالوضع" هو صمام أمانها فمثلا لايمكنك أن تقول لنا أن "قطع يد السارق" تعني المنع فقط لأنه عليك التبرير بقرينة لانتقالك من معنى راجح قياسا على الوضع الأول الى معنى مجازي مرجوح..
‏فهذه النظرية الإسلامية اللغوية وهي "الوضع" كانت أساس علم اللغة بكل أصنافه وأساس علم أصول الفقه الذي وقف حجر عثرة أمام تحريف دلالات اللغة سواء في النصوص المقدسة أو غيرها وهي سبب حفظ اللغة العربية بخلاف اللغات الثانية التي لم تصلها إلا مؤخرا مما أدى لقطيعة بين أولها وآخرها..

‏ولأن لوازم المذهب الحسي "الاسمية" وهي منحى فلسفي بائس يمكن مراجعتها للتعرف عليها في معتمدنا هنا "العقل والوجود"
‏بطل على مذهب ابن تيمية علم اللغة وعلم أصول الفقه فمن ناحية هو علم ومبني على كليات ومعاني لا على محسوسات وجزئيات ، وهو عقلي مبني على ماهيات مجردة
‏وهذا كله يسبب أزمة للمذهب التيمي تطابق أزمة المنطق لذا نقضها بنقض الوضع الأول بل يعتبر سابق للتفكيكيين الحداثيين في تفكيكه اللغه..
‏وللتوضيح سأنقل شرح يوسف كرم للإسمية التي تورط بها الحسيون وهو عين ماتورط به ابن تيمية وأداه إلى تفكيك اللغة وخلخلت أصولها
‏"بل إن مبدأهم قد ساقهم ماهو أشد تخلفا وأدعى للعجب، ذلك بأنهم لم يؤمنو بالمعاني وآمنو بالألفاظ...وانتهوا إلى أن مدار العلوم على ألفاظ  فإنكارهم العقل قضى عليهم بإنكار العلم"
‏يوسف كرم/العقل والوجود/ص18
‏"ينكر الحسيون وجود معان في أذهاننا ويبنون هذا الإنكار على اعتبارين: أحدهما أنه لما كان كل موجود حسيا ، كانت معارفنا إما احساسات أو راجعة لإحساسات 
‏الآخر أن المعنى الكلي تصور متناقض إذ أن الكلية تمنع المعنى من التعيين (يعني ان المعنى الكلي لايدل على محسوس) بينما كل موجود فهو متعين حتما
‏هل نستطيع تصور إنسان لاهو أبيض ولا أسود ولا أصفر ولا أحمر ولاطويل ولاقصير
‏ويقاس على ذلك سائر المعاني التي لها تجرد كلي"
‏يوسف كرم/العقل والوجود/ص13
‏النقليين السابقين يوضحان تطرف الحسيين حتى أنهم نقضو العلم بنقضهم للكليات التي هي أساسه ونقضوا اللغه بنقضهم المعاني
‏وهو عين ماحدث مع ابن تيمية ووصل إليه وفي هذا المضمار كفانا السلفية أنفسهم التطويل فلهم أبحاث في التفاخر بأسبقية ابن تيمية للإسمية والوضعية المنطقية والنظريات اللغوية التفكيكية الحديثة
‏بل عين النقود التي نقلها يوسف كرم في هذا المجال عن فلاسفة الغرب هي ما احتج بها ابن تيمية وابن القيم في منهجهما هذا..
‏فنجد ابن القيم مقررا نفس الكلام يقول عن مثبتي المعاني
‏"فأثبتو إنسانا لاطويلا ولاقصيرا ولا أسودا ولا أبيضا ولا ساكنا ولامتحركا.."
‏مختصر الصواعق/٥٩/٢

‏ونجد ابن تيمية يقرر أن اللفظ المطلق لاوجود له "أسد ، نمر ، شجرة" ولايفيد أي معنى وإنما الإفادة تكون بالتقييد الجزئي الحسي بمعنى أنه لاوجود لمعنى لكلمة "أسد" وإنما حين يتم استعمالها في جملة يتم "صناعة معنى لها" ولو كان في كل جملة بمعنى مختلف فيعتبرها جميعا معناها الحقيقي ! 
‏فمن سياق المتكلم على شيء معين يتحدد معنى اللفظ لا أن اللفظ له معنى معين والسياق معين على فهم أتم..
‏فمافعله ابن تيمية هنا أن اللغة جميعا تم هدمها سواء المعاجم أو القواعد على هذا الأصل وكذلك الأصول الفقهية تم هدمها فلامعنى للمجاز والنقل والاشتراك والإجمال..الخ مادام لم يكن هناك وضع
‏بل على هذا المذهب لم يعد هناك ظاهر لأي نص لأنه لم يعد هناك مقياس فالمقياس الوحيد أصبح نسبي كنسبية العقل عنده..
‏وهذه النظرية التي تهدم اللغة وعلومها والأصول وعلومها لم أكن لأتطرق إليها لولا أنني وجدت عبدالله العجيري في برنامجه المسمى "صناعة المحاور" الموجه بحسب زعمه لصناعة محاور متأصل إسلاميا يقرر هذه النظرية التي تخالف العلوم الاسلامية جملة بل تأسس لكل المناحي التي تهاجم الإسلام مثل "القراءات المعاصرة الشحرورية وغيرها" ولاريب جعله هذا الشذوذ منهجا إسلامي لأن الاسلام كاملا انحصر عنده بحسب عقيدته في بضعة أشخاص ولو كان منهجهم يهدم منهج الإسلام أصلا ويعارضه طولا وعرضا!
‏فيقول العجيري في محاضرته المفرغة المعتمدة في "صناعة المحاور2" بمسمى الاستدلال العقدي عند السنة "السنة الذين اتضح في هذه السلسلة انهم شذوذ منهجي وليس السنة والجماعه حقيقة"
‏يقول في باب "انكار ابن تيمية للمجاز":
‏"أذكر مثالا يقول ابن تيمية
‏(اللفظ لايستعمل قط مطلقا، لايكون إلا مقيدا تقيد بعد العقد والتركيب..)
‏يعني : ابن تيمية يؤصل لفكرة معينة هي أن اللفظ المفردة لاتفيد معنى بذاتها
‏يعني إذا قلت لكم عين مالمعنى الذي قصدته...يمكن جاسوس أو عين الماء أو عين باصرة...
‏لايستطيع الانسان أن يدرك المعنى المراد الا إذا وضعت المفردة في سياق وجملة"
‏تفريغ محاضرة منهج الاستدلال/العجيري ص23

‏استخدم العجيري هنا لتمرير نظرية ابن تيمية الهادمة في الوضع واللغة أسلوب التدلييس باستخدامه لفظة "عين" التي نص علماء اللغة على انها """مجملة!"""
‏ولتوضيح تدليسه العجيب ليكون صورة لما يفعله هؤلاء القوم من تدليس
‏فكما تقرر عند اللغويين والأصوليين أن معيار المعنى الوضع الأول الذي وضعته العرب
‏فالعرب وضعت وضعا أولا لفظ "الأسد" للحيوان المعروف
‏وحين نستعمله في معنى آخر "كالرجل الشجاع" فهذا مجاز لأنه مخالف للوضع
‏لذا كان "الأسد" لفظ يفيد معنى مطلقا بتجرده وهو المعنى الحقيقي ولايحتاج لقرينة إلا حين يستعمل في غير وضعه..
‏إلا أن هناك ألفاظ قليلة جدا وضعتها العرب وضعا أوليا لمعاني عديدة مثل "القرء" و"العين"
‏وقد وضعتهما في الوضع الأول لعدة معاني بخلاف"الأسد" لذا لايمكن تحديد معناه إن اطلق دون سياق مطلقا لأن له معاني متساوية وسمو هذا اللفظ ب"المجمل"
‏وهذا كله عبر استدلالات عقلية ولغوية وفلسفية متينة يمكن مراجعتها مثلا في "المعالم بشرح التلمساني في أصول الفقه"..

‏فالتدليس هنا لم استخدم العجيري لإيصال نظرية شيخه الذي يتبعه مغمضا عينيه لفظا أصلا نفس الأصوليين نصّوا على أنه مجمل لايتحدد معناه إلا بالقرينة لينصر نظرية ابن تيمية التي تجعل كل اللغة "مجملات؟!!
‏فلم لم يستخدم لفظة "أسد" التي تفيد معنى لغوي بذكرها حتى دون سياق أو غيرها من الألفاظ الغير المجملة ليظهر تعارض نظرية ابن تيمية التي يسوقها له مع كل اللغوين والأصوليين والعلوم الإسلامية!!
‏بل ابن تيمية نفسه استخدام في الإستدلال لنظريته بألفاظ ليست مجملة أي قرر العلماء أنها وضعت وضعا واحد ك "ذوق ، الأسد ، ظهر" واستخدم ابن القيم ألفاظا غير مجملة لتبرير نظرية شيخه مثل "جناح" الذي جعله حقيقة في الطائرالحيواني وفي الذل "جناح الذل"
‏ ولم يستخدموا ألفاظا نصّ الأصوليون واللغوين أنها مجملة مثل العين لينقضوا اللغة والمجاز فلم لايكون العجيري بشجاعتهم بدل محاولة التدليس المخزية هذه واعتمادها!
‏وهناك نقطة أخرى فحين اختار العجيري تسويق هذه المنهجية هل فكر في لوازمها
‏وهو صانع المحاور الإسلامي ؟!
‏كيف يريده يحاور "من يقرأ القرآن قراءة معاصرة"!
‏كيف سيرد على من يحرف الدلالات إن احتج عليه بأنه لم ينتقل لمعنى مجازي حتى يحتاج لدليل وبأن السياق هو من يحدد المعنى كما يقول ابن تيمية وبأن كل المعاني حقيقية مهما تناقضت لأنه لامعيار!
‏ولكننا نجد هذا متسق مع منهجية التدليس المعتمدة بسبب عصبية حزبية عنده فالعجيري يسمي محاضرته هذه "اصول الاستدلال عند أهل السنة والجماعة" ورغم أن أهل السنة والجماعة لفظان لهما مدلولان أحدهما اتصال السند والآخر جمهور الأمة وكلاهما يخالفهم ابن تيمية تم استخدام العنوان لتمرير نظرية تهدم أصول الجماعة وتخالف السنة جملة وتفصيلا.
‏والعجب كل العجب عن أي جماعة يتحدث العجيري وطرحه لايتجاوز ابن تيمية وابن القيم حتى الفرق البائدة علماؤهم أضعاف هذا العدد فأين الجماعة وأنت منهج شاذ لاتجد له سند سوى من متأخر من الخلف كابن تيمية وتلميذه؟!
‏والأغرب من العجيري هم متعقلنوا المتمسلفية من اتباع ابن تيمية ولو على جثة منهجه
‏فتجدهم يحتجون على الحداثيين بأصول الفقه وبأن اللغة "وضعت وضعا أوليا" فلا يصار للمعنى السرياني لأنه مخالف للوضع ولا يسار للمعنى الشحروري لأنه مخالف للوضع ..الخ ويحصدون من هذا العمل التمجيد رغم أنه عمل يرد على عقيدتهم واصولهم التي لاتتجاوز ابن تيمية..
‏فتماما كما في المنطق "يشتغل ضد الملاحدة ويتعطل عند عقيدتنا" حين يتعلق الأمر بالعقيدة والصفات والتأويل يضربون بنفس تلك المناهج الأصولية التي للتو سردوها أمام الحداثي عرض الحائط
‏ويصبح المجاز "طاغوت" بحسب تعبير ابن القيم واللفظ لايفيد لوحده بحسب ابن تيمية والتأويل اثبات لكذب الله ..الى آخر لوازم هذا التهافت المنهجي
‏ولن أطيل النقول هنا فيكفي التنبيه على هذا التهافت الذي لزمه إنكار العلوم كلها لأن مدارها الكلية والضرورة وهما مجردان غير خاضعان للحس
‏والعلوم الإسلامية خصوصا "كالمنطق واصول الفقه واللغة" لأنها أيضا تعتمد على الكليات والمعاني المجردة كأي علم آخر بل هي أكثر اعتمادا من العلوم الأخرى عليها
‏وهنا يتضح سبب محاربة السلفية في بداياتهم لأصول الفقه ولازالو إلى اليوم يدعو بعضهم لهذه الدعوة بحجة اعتمادها على العقليات
‏وهذا الجانب متسق منهم مثل ابن تيمية وهو يستحق التقدير فهو ملتزم بمبدأه وما وصل له
‏بخلاف الجانب الآخر الذي تعلق بعلوم أصولها المعرفية تنقض أصوله هو العقدية كما شاهدنا..

‏تطبيقات النظرية اللغوية لابن تيمية:-
‏من تطبيقات النظرية التيمية هذه أنه أصبح المعيار اللغوي نسبي فالحقيقة هي ما أرادها الشخص فلا معايير قائمة يحتكم إليها ولا أصول مما أدى لكثير من استثمار ذلك في المغالطات التي تلبس على العامة من غير المتخصصين
‏فمثلا حين أثبت ابن تيمية لله الأعضاء والجزاء -تعالى الله عن ذلك- لجأ للتلبيس بتسميتها صفات حقيقةً لامجازا مع محاربته للتأويل..
‏ولكن العرب لم تضع كلمة "صفة" على ذوات كاليد والعين والساق وغيرها من الاعضاء التي يثبتها لمعبوده
‏فالعرب قالت أن الصفه هي مايخبر به عن الموصوف وتحمل عليه حمل مواطأة "هو هو"
‏وهي معنوية مثل "عمر حليم أو خبير أو حكيم" فهنا أخبرنا بصفة على الموصوف وحملناها عليه دون واسطة
‏أما مالايخبر به عن الموصوف ويكون ذاتا ولايحمل إلا بواسطة "هو ذو"
‏فليس صفة وإنما جزء وجارحة
‏مثلا " عمر ذو يد ، علي ذو ساق" ولانستطيع قول "عمر يد وعلي ساق" فهي ليست صفات
‏وتسميتها صفات تكون مجازا وتأويلا حتى غير مقبول بحسب ضوابط المجاز
‏فكيف سماها ابن تيمية صفات رغم اختلاف حقيقتها..
‏مافعله ابن تيمية أنه أول تأويلا غير مقبول حتى بضوابط الأصوليين فصرف اللفظ "صفات" عن ظاهره الذي وضع له ليجعل عقيدته مقبولة
‏رغم أنه هو نفسه يفرق بين "صفات أعيان يشار إليها حسا كاليد والساق والوجه والعين وصفات معاني كالقدرة والعلم والحياة"
‏و تفكيكيته اللغوية أتاحت له أن يؤول تأويلا غير مقبول وفوق ذلك يسميه حقيقة ويحارب الآخرين بحجج أنهم مؤولة!
‏ولذا نجده هو وأتباعه يستثمرون هذا الهدم فغالبا في ردودهم لايفرقون بين "اليد والعين والقدم والساق / مع العلم والحياة والقدرة والإرادة"
‏ويجعلونها شيئا واحدا فيقولون كما أثبت صفة الحياة أثبت صفة اليد! وهي صفة لأنهم سموها ذلك وهذه سطحية ما بعدها سطحية
‏رغم أنهم في غير مواقف الردود يفرقون بينها بأن الأولى أعيان والعين تعبير عن الجزء والجارحة والأخرى معانٍ..
‏وهكذا يتم استثمار مثل هذه النظرية في المغالطات والتغليط وتحويل الخلاف مرة إلى لفظي ومرة الى معنوي بحسب المصلحة والمنفعة لا بحسب الحق والواقع.

‏وبهذا نكون أتتمنا مطابقة ابن تيمية مع المنهج الحسي الذي استنبطناه في التدوينة الثانية من تعريف د.يوسف كرم 
‏ولخصناه في أربعة محاور
‏1-حصر وسائل المعرفة في الحس ونفي العقل
‏2-حصر الوجود في المادة "الاجسام والأعراض"
‏3-نقض المنطق والأصول الفلسفية العلمية
‏4-نقض اللغة
‏وقد اوضحنا بتبسيط وجمع منهج ابن تيمية المتطابق معه وانتهينا من ذلك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابن تيمية وعقيدة التجسيم.. إثباته الحد والتحيز/ التركيب / والحجم والثقل 4

بعد اكمال السلسلة الأولى في الأصول الفلسفية والمعرفية لعقيدة ابن تيمية بدأت في كتابة سلسلة أخرى توضح فروع تلك الاصول التي اتسق فيها ابن...