الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

ابن تيمية فيلسوف المادية.. إبطال المنطق/الجزء الثاني (5)


‏ماذا بقي لابن تيمية بعد نفي العمليات العقلية؟
‏ لم يبقى سوى التعريف اللغوي الذي لاتقوم عليه العلوم والتعريف بالرسم كماشرحته وهو تعريف يقبل التحليل الحسي أيضا لاتقوم عليه العلوم كما تقوم على الحد..
‏ولذا نص على أنها الوحيدة الصحيحة فيقول
‏"فالحد إما بحسب الاسم وهو الحد اللفظي (اللغوي) الذي يحتاج إليه في الاستدلال بالكتاب والسمة وكلام كل عالم وإما بحسب الوصف وهو تفهيم الحقيقة التي عرفت صفتها (الحسية لا العقلية) وهذا يحصل بالرسم والخواص"
‏ج/9/263
‏فأصبح التفكير عند ابن تيمية مجرد لغة وهذا أساس الوضعية المنطقية التي تأسست في القرن المنصرم على أيدي فلاسفة غارقين في المادية والالحاد ثم تراجعو عنها لأنها متهافتة لدرجة تبطل حتى العلوم المادية القائمة على الحدود العقلية والكليات
‏والتي رفع رايتها بعض المتحمسين عندنا من اتباعهم مثل زكي نجيب صاحب المنطق الوضعي الذي ظل يدافع عن هذا التهافت رغم تراجع أصحابه عنه وغرق في المادية والالحاد حتى ألف كتاب خرافة المقدس
‏لأن من أبطل العقل أبطل كل شيء من العلم إلى الدين..
وكما وصفهم د.يوسف كرم
"أصبح العلم والتفكير قائم عندهم على ألفاظ لا على أشياء فتهدم"
والغريب أن ذلك ممايعده المتمسلفة من مناقب ابن تيمية ويسودون الصحف افتخارا بأنه سابق للوضعية المنطقية وأنه فيلسوف اسمي !

‏ولانطيل بذكر شبه ابن تيمية النقضية فهي ليست أصيلة بل فيها من التزييف ماذكرنا مثالا عليه وهذا سبب أزمة اتباعه الذين رددو كلامه في رسائل علمية "كرسالة الحد لسلطان العميري" ثم تفاجأو بتكذيب الناس لهم بالمصادر لأنهم نقلو فقط نقوض ابن تيمية وأقواله التي نسبها للمناطقة دون تأكد من مراجعهم..
‏وملخص حجج ابن تيمية ماقاله صاحب موسوعة نشأة الفكر الفلسفي د.علي النشار
‏"إن مصادر ابن تيمية -في نقد المنطق- هم الشكاك والسوفسطائيون اليونان، ولايذكر ابن تيمية أسماءهم ولايشير إليهم ومن المؤكد أنه اطلع على أرائهم في كتب المتكلمين وفي كتب الشراح الإسلاميين للفلسفة اليونانية ، ويحاول ابن تيمية أن ينقل يربط هذه الحجج بنزعته الخاصة في نقد المنطق وأحيانا ينقلها بأمثلتها وألفاظها دون اشارة"
‏مناهج البحث/ص178
‏وقد ذكرت في تدوينة أصالة الحس نبذة مجملة عن سفسطتهم
‏وبعد إبطال ابن تيمية للاستدلال العقلي وأدلته في منهجه استبدله بقياس الأولى
كما يقول ابن القيم ملخصا كلامه:-
‏"الرب تعالى لايدخل في قياس تمثيل ولا قياس شهود ..فهذان الفرعان من القياس باطلان في حق وأما قياس الأولى فهو غير مستحيل في حقه بل هو الصحيح الواجب في حقه عقلا ونقلا"
‏وهذا "قياس الأولى"
‏هو القياس الوحيد الذي يمكن أن ينجو لحسي لأنه ببساطة كما شرحنا في التدوينة السابقة يتوافق مع قياسهم الوحيد وهو "الانتقال من محسوس إلى محسوس"
‏ولأخذ نبذة عنه نرى تطبيقا له
‏فابن تيمية يثبت به الحركة لله _تعالى عن ذلك علوا كبيرا فيقول:
‏(الموجود المتحرك أو الذي يصعد وينزل أكمل من الساكن ومادامت الحركة كمالا للمخلوق فالخالق أولى بها)
‏في الرد على الأساس [١/٥٩٨]
‏وكما نرى أنه تطابق مع أصله لذلك استخدمه بدل الاستدلال العقلي
‏فما فعله هو أن الحركة كمال للأجسام والجسم المتحرك أكمل من الجسم الساكن فإذا يجب اثبات الحركة لله فهو أيضا جسم!
‏فالموجود عنده محصور في الاجسام فالحركة ليست كمالا للموجود وإنما للجسم فهي انتقال جسم من نقطة لأخرى والسكون ثبوت جسم بين نقطتين..
‏ولو كان يثبت العقل لعرف تهافت هذا القياس فالوجود ليس فقط الوجود المادي الجسمي والحركة والسكون ليست كمالا للموجود بل كمال للجسم الموجود
‏وغير الجسم أصلا لا يوصف بحركة وسكون كما أن غير الحيوان لايوصف بذكورة وأنوثة فهذه كمالات مقيدة بقيود بعض الموجودات المحدودة وليست كمالات مطلقة للموجود بدون قيد..
‏ومافعله ابن تيمية هنا هو مايسميه المناطقة مغالطة حيث أسقط جهة القضية وأخفى المقدمة المنازع عليها أصلا فنسب الحركة للموجود وأخفى "الحركة كمال للموجود بشرط كونه جسما لا من حيث هو موجود"
‏وهو نفس القياس الذي يستخدمه السلفية اليوم في مبحث الصفات فينسبون أن كمال الإنسان له عينين إذا الله أولى بهما ونحو هذه مما يسمونه توحيد وصفات!
‏ويجب التنويه على تلبيس بعض الأتباع المتمسلفة حين صورو أن نقض ابن تيمية للمنطق هو نقد داخلي بمعنى انه مثل نقد المناطقة لبعضهم!
‏والحقيقة أن نقود المناطقة لبعض داخلية بمعنى ماهي شروط الشكل الاول في القياس أو الرابع..الخ
‏أما ابن تيمية فنقضه ليس داخلي بل هو إبطال للمنطق كله بإبطال أصوله بأسس فلسفية كبقية الماديين كما بينا
‏وبقي ملاحظتان:
‏-ابن تيمية كان متسقا مع فكره وأبطل المنطق والاستدلال العقلي حتى يقيم مذهبه وحججه العقدية مبنية على هذا الأصل..
‏فما يفعله بعض المتمسلفة الجدد من الهيام والإقرار بالمنطق لايخلو إما من جهل وإما من تلبيس دافعه مواكبة الجو العقلي العام لأنه إن اعترفت بالمنطق لزمك إبطال عقيدة ابن تيمية سواء بأنك مجبر على التسليم بجدوى البرهان المنطقي وواقعية نتيجه فتبطل العقيدة التجسيمية
‏أو تقر بتوصل العقل لمعرفة لا عن طريق الحس "الاستدلال المنطقي" وتقر بوجود أعم من المادة وستسقط جميع حجج ابن تيمية المبنية على "معطلة اثبتو خالقا معدوما ليس في جهة ولاحيز ولاداخل ولاخارج ولامتحرك ... ونحوه.
‏أما إن كنت تؤمن بحقيقتين إحداهما علمية "المنطق وواقعيته" والأخرى عقدية "التجسيم والمادية" لتتعايش مع نفسك كما فعل المتعلمنون مع أزمة الكنيسة سابقا فهذا شأنك لكن لاتزعجنا بدعوى أنك متسق ..
‏-من التلبييس الإحتجاج بفتوى ابن الصلاح والنووي والسيوطي وغيرهم بأنها من جنس نقض ابن تيمية أمام العامة لتبرر مخالفتك له
‏فمن المعلوم أن هؤلاء لم يخالفو في أصول المنهج العقلي وهم من السنة عقيدة لذا تعتبرونهم معطله جهمية وفتواهم كانت لإعتبارات أخرى "كما ذكر ابن الصلاح أنه أفتى لا لذات المنطق وإنما لكونه كان مجعولا مقدمة للفلسفة والتي كانت عبارة عن معتقدات يونانية" لا لمخالفات فلسفية والتوضيحات والردود عليهم في كل كتب المنطق
‏ومساواتهم بابن تيمية للتبرير مغالطة
‏وهم نفسهم هؤلاء المتعقلنون من المتمسلفة يهاجمون الحداثيين المنكرين للحكم الشرعي بناء على الاشتهاء "الموسيقى لاتؤذي اذا هي حلال" حين يحتجون بمن حللها من العلماء
‏لاختلاف الغايات والدوافع فالأول أباحها لا إتباعا لشرع بينما الآخر أباحها اتباعا لحكم الشرع
‏فهذه القضية لاتختلف عن تلك ومساواة الحكم الظاهر دون الباعث عليه من أشنع المغالطات التي يصرخ متعقلنة المتمسلفة أمام الحداثيين منددين بها فمن السخف تجاهلها هنا..!
‏وبقي من هذا القسم الرابع 
‏النقض اللغوي نتمه في التدوينة القادمة

‏...يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابن تيمية وعقيدة التجسيم.. إثباته الحد والتحيز/ التركيب / والحجم والثقل 4

بعد اكمال السلسلة الأولى في الأصول الفلسفية والمعرفية لعقيدة ابن تيمية بدأت في كتابة سلسلة أخرى توضح فروع تلك الاصول التي اتسق فيها ابن...