بعد إثباتنا لتفريع ابن تيمية لجسمية الخالق على أصوله نشرع في رؤية تفريعه لبقية لوازم الجسمية وتأصيلها كمعتقد.
-التبعيض:
أبسط لوازم الجسمية هي الأبعاض والأجزاء فالجسم أبعاض ممتدة في الأبعاد من طول وعرض وارتفاع متغايرة بالاشارة الحسية
وقد قرر ابن تيمية هذه الأبعاض تقريرا واضحا ولكنه دلس لغويا على أصوله التي لاتلتزم بأصول العلوم واللغة (كما فصلت ذلك في تدوينة ابن تيمية ونقضه للغة) وسماها "صفات أعيان" والعين تطلق على الجزأ الجسمي القائم بنفسه..
فقد ألزم الرازي المجسمة أنهم بجعلهم الرب جسما فهذا يلزم منه أن بعضه فوق بعض ويلزم منه أنكم مادمتم تعتبرون العلو المكاني فضلا فالله بعضه الأعلى منه أفضل من بعضه السافل منه وفي هذا من التهافت ماهو واضح..
فرد ابن تيمية عليه
"لايقدح في العالي أن يكون بعضه أعلى من بعض إذا لم يكن غيره عاليا عليه..فالناس مختلفون في صفاته هل بعضها أفضل من بعض...والسلف والجمهور على أن كلامه أفضل من بعض وبعض صفاته أفضل من بعض كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة" درء التعارض (7/12)
"فإذا كانت صفاته كاملة لانقص فيها وبعضها أفضل من بعض لم يمتنع أن يكون هو العالي علوا مطلقا وإن كان منه ماهو أعلى من غيره"! الدرء7/14
هذان النصان مهمان لمعرفة كمية التشغيب التي ينتهجها ابن تيمية إلى حد التزييف على السلف والكتاب والسنة لنصرة رأيه:
أولا: ثبت أن الله عند ابن تيمية جسم له أبعاض بعضها فوق بعض كالمباني والجبال --_تعالى الله عن ذلك علوا كبير_.
ثانيا: تزييف ابن تيمية على السلف فلايوجد أي نص عنهم ولو تلميحا أنهم قالو بتفاضل صفات الله بعضها على بعض
وماذكره ابن تيمية هي مسألة "كون آيات القران بعضها أجره أفضل من بعض"
وهذه الآيات مدلول كلام الله ولم يقل أحد مطلقا أن صفة الله "الكلام لها أبعاض متفاضلة" والمفاضلة هنا هي بالنسبة للمخلوق أي أفضلية وضعية من الله للمخلوق فيضع له أجرا على آية الكرسي أعظم من البقية فهي من حيث دلالتها على صفة الله لا تفاضل ومن حيث أجر المخلوق فأجورهم متفاضلة.
وخلط ابن تيمية بين القولين كخلط من يقول "الله بعضه أقوى من بعض" بناء على أن في المخلوقات التي هي دالة على قدرة الله تفاوت من حيث قوة بعضها وضعف الآخر.
ولكن ابن تيمية قلب كل ذلك وعكسه وعقبه بكذب صريح على السلف فجعل قولهم أن آيات الله بالنسبة لنا تتفاضل في أجورها مساو لقوله أن ذات الله نفسه بعضها أفضل من بعض وصفاته بعضها أفضل من بعض!!
وهذا المسلك القبيح علميا ينتهجه ابن تيمية كثيرا ليغطي عجز الاستدلال عنده، فمن باب النزاهة العلمية كان يمكنه عرض مقالة السلف في تفاوت أجور قارئي القرآن كما هي ثم بعد ذلك يحاول بروابطه العجيبة أن يربط بينها وبين قوله في أن أجزاء الله بعضها أفضل من بعض!
وليس لأن ذلك محال يجوز للباحث أن يخلط كما فعل ابن تيمية ويقفز لرمي القول مباشرة مصورا أنه قولهم لا أنه الزامه المتهافت لهم فهذه مغالطة يترفع عنها الصادق .
وقد ركزت على الاستطراد هنا لتبيين أسلوب ممنهج منتشر في كامل طرح ابن تيمية وهو ماسماه العلماء ووصفوه بالحشو والتشغيب والخلط وهو مذموم وإن كان لدفع باطل لأنه نوع كذب فكيف لو كان لتقرير عقائد!
_إثبات الأعضاء:-
ينقل ابن تيمية عن الرازي رده على طائفة انتسبت للحنابلة في الفقه وخالفتهم في العقيدة فنسبوا لله الأجزاء والأبعاض ويرد ابن تيمية على الرازي منتصرا لقولهم وناسبا قولهم للعالم أجمعين من سلف وأنبياء ومانعلمه ومالانعلمه من مخلوقات الله كعادته التي شرحناها.
"فصل:قال الرازي :[وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض].
..وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد ، وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض ، أو أنهم وصفوه بما يقتضي أن يكون جسما، والجسم متبعض ومتجزئ وإن لم يقولو هو جسم،
فيقال له: لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الاسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها"
بيان التلبيس (1/250)
ولانطول في توضيح ماوضحنا سابقا من زيف نسبة هذا الكلام للحنابلة أنفسهم كمعتقد فضلا عن بقية التهويل الذي دونه من ملل ونحل وسلف وخلف!
فالحنابلة قديما وحديثا في كتب عقائدهم المعتمدة بالسند نصوا على تنزيه الله عن الأجزاء والأبعاض والجسمية ولوازمها من حد ومقدار بل هم أكثر تشددا من غيرهم حيث كفروا حتى من نسبها له دون تصريح.
فيقول ابن بدران الحنبلي في قلائد العقيان في عقيدة ابن حنبل
"يجب الجزم بأن الله تعالى ليس بجسم ولاجوهر ولاعرض ولاتحل فيه الحوادث..فمن شبه الله بشيء من خلقه فقد كفركمن اعتقده جسما او قال جسم لا كالأجسام"
ص96
فعلقو الكفر بمجرد اعتقاد الجسمية كمعنى خلافا لجمهور أهل السنة الذين جعلو في ذلك سعة بين التفسيق والتبديع
نعود للأبعاض والأعضاء ونرى تعامل اتباع ابن تيمية معها وإثباتهم لها
يقول ابن عثيمين في فتاواه (8/59)
"ولانقول إنها أجزاء وأبعاض بل نتحاشا هذا ""اللفظ"" لكن مسماها لنا أجزاء وأبعاض.
لأن الجزء والبعض ماجاز انفصاله عن الكل والرب لايتصور أن شيئا من هذه الصفات التي وصف بها نفسه -كاليد- أن تزول أبدا"
ولنا وقفات هنا:
-أعاد نفس مغالطة ابن تيمية التي وضحتها سابقا وهي زيادة معنى للفظ العضو ليس فيه فلم تشترط اللغة أن تكون اليد ثابتة بإحكام ولاتنفصل أو أن تنفصل حتى تسمى عضوا !
-وضح أن عضو الرب عندهم "اليد" هو مايسمى عندنا جزء وبعض ولكن نتحاشا اللفظ "فمشكلتهم مع اللفظ لا مع المعنى" وعلل ذلك حتى لانتوهم اأن يده مثلنا يمكن أن تقطع وتنفصل
ومما يدل على تلاعب القوم اللفظي وأن مشكلتهم مع الألفاظ لا المعاني ومغالطتهم بالتشتيت بالألفاظ تقيةَ مانصّ عليه ابن القيم في اجتماع الجيوش 1/88
"ولكنا نقول استوى من لامكان إلى مكان ولانقول انتقل, وان ككان المعنى في ذلك واحدا"
فالانتقال هو نقلة الجسم من نقطة إلى أخرى فهو من معاني الجسم وهم يثبتونه كما يقول ابن القيم ولكن يتحاشون تسميته بهذا اللفظ ويسمونه استواء ليكون أرقّ لغة وأقل شناعة من "انتقل الله" فقط!
وهذه حقيقة تشغيباتهم جميعا بالتلبيس بنازاعات لفظية شكليه دون الخوض في صلب الموضوع
-_إثببات الآلات :-
الآلة عرفها العلماء واللغويون بأنها واسطة بين الفاعل ومنفعله لإيصال الأثر إليه.
جاء في الكليات للكفوي: الآلة مايستعان بها في الفعل
وقد نفى المسلمون الآلات عن الله تعالى لإستحالتين
-الأولى أنه ليس جسما وهي جسم وعضو
-الثانية لأنها أمارة الافتقار والحاجة والخالق غني فلايحتاج لآلة ليفعل أو يوصل فعله
ولكن لأن عقيدة التجسيم مبنية على المادية والقياس غائبا بشاهد
فقد أثبت ابن تيمية لله -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- الآلات لأنه جسم والجسم يفعل بآلة كاليد والاقدام
يقول ابن تيمية:
"والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك،
بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل إذ ذاك من صفات الكمال"
التدمرية (ص90)
فهنا نرى أصل ابن تيمية بشكل واضح جدا متسق غير متناقض أبدا وهو قياس الغائب على الشاهد وقياس الرب على الانسان
فيرى أن الرب عنده ليس له كبد وطحال لأنه كما سبق وأثبت غير مجوف فلا يحتاج لآلات الهضم
أما اليد التي هي عضو وآلة للفعل مثلنا فهي منسوبة له لأنه يفعل وبالتالي يحتاج آلة للفعل!
وقد جرى أتباع ابن تيمية على هذا الاصل أيضا
فيقول الشيخ محمد خليل الهراس الذي يصفه التيمية/السلفية بالعلامة السلفي
"ومن أثبت الأصابع لله كيف ينفي عنه اليد، والأصابع جزء من اليد؟"
تعليقه على توحيد ابن خزيمة ص89
تماما موافق للأصل فالله له يد عضو فكيف يثبت له إصبع دو كف وزند وكتف يحمله؟!
وقال أيضا ردا على المسلمين الذين إما فوضو صفة اليد أو أوّلوها بالنعمة بقوله:
"فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لابالنعمة فإن قالوا:الباء هنا سببية أي بسبب إرادته الإنعام
قلنا لهم: بماذا قبض؟ والقبض محتاج لآلة فلا مناص لهم" ص63
فكما رأينا اتساق اتباع ابن تيمية مع مذهبه وأصله فجعلو الله "والعياذ بالله" محتاج لآلات ليفعل مثل البشر يد يمسك بها ويقبض وقدمين يتحرك ولا أدري كيف تجتمع الحاجة مع كمال الغنى للخالق؟!
ويقول أيضا
"يظهر أنّ المنع من إطلاق اليسار على الله عزّ وجلّ إنما هو على جهة التأدب فقط، فإن اثبات اليمين وإسناده بعض الشؤون كما في قوله تعالى: "والسماوات مطوياتُ بيمينه"..يدل على أن اليد الأخرى المقابلة لها ليست يمينا"
تعليق الهراس على "كتاب التوحيد" ص66
فنجد هنا بكل وضوح انطلاق المجسمة كما فعل الهراس من البشر"الشاهد" لإثبات اعضاء الله وهو قياس الشاهد على الغائب فيقول مادام ثبت له العضو اليمين ونحن نرى البشر يدهم اليمين تقابلها يد في جهة اليسار فإذا هذه دلالة عقلية على إثبات اليد اليسار.. وهذا هو العقل عندهم الذي قد يتدثر به بعضهم مجرد خيال طفولي وهذا مبلغ تشدقهم بالالتزام بالنص وماورد عن السلف والذي لايتجاوز الشعار العريض الذي يختفي في اول مبحث عقدي عندهم فتجد عقائد لاتلتزم بنص ولاسلف ولاعقل!
يقول ابن بازفي التعليقات البازية (1/444)
"لكن الأركان والأعضاء والأدوات إن كان المراد أنه تعالى عن القدم واليد والوجه فهذا باطل"
وهذا نقض لعقيدة السنة والجماعة التي نقلت من السلف دون أن يشكك في سندها أحد وهي الطحاوية الذي يقول فيها الطحاوي "تعالى الله عن الحدود والغايات والأركان "
ويقول ابن عثيمين مقررات الاعضاء وآلات الفعل
"مذهب أهل السنة والجماعة أن لله عينين اثنتين حقيقيتين ينظر بهما"
مجموع الفتاوى (4/58)
وهذا اتباع لابن تيمية وإجماعاته الوهمية المزعومة بلا تقرير وبحث لأن مذهب أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا أن الله لاحد ولاجسم ولاعضو ولا آلة له لغناه مطلقا فكيف تثبت له عين محدود وعضو وآلة لينظر بها!؟
ويقول ابن عثيمين في شرح الكافية تعليقا على قول المؤلف "يتقدس الرحم جل جلاله+عنها وعن اعضاء ذي جثمان"
"إن نظرنا إلى ظاهر كلام المؤلف قلنا أنه يدل على ذلك -نفي الأعضاء كالوجه واليد والقدام-
لكن لعلمنا بحال المؤلف وأنه يثبت هذه الصفات لله عز وجل..كما نلعم الشمس في رابعة النهار فإنما أراد نفي خصائص هذه الاعضاء بالنسبة للإنسان ، فخصائص هذه الأعضاء بالنسبة للإنسان يجوز أن تنفصل من جسمه وأن لاتنفصل ، لكن اليد بالنسبة لله عز وجل والساق والقدم والعين لايجوز أن يكون فيها هذا
ولهذا قال العلماء أنه لايجوز أن تطلق على يد الله أنها بعض لأن البعض ماجاز انفصاله عن الكل وهذا مستحيل في حق الله"
فكما شرحنا في التقية اللغوية يوضح ابن عثيمين ثبوت الأعضاء الانسانية لله لكن مع خصائص مغايره وهذه الخصائص محض كونها لاتنفصل مثل ماتنفصل اعضاء الإنسان عنه لا أنها ليست عضوا ولاجارحة ولا آلة ولاجسم كما يحاول البعض من مدافعي المتمسلفة إيهام العامة أنه قولهم!
يقول الفوزان "فدلّ على أن قوله (بيديّ) تثنية يد حقيقية ، كما يفهم هذا من المعنى اللغوي والمعروف في الحس"
لمعة الاعتقاد (ص74)
فهنا نجد الفوزان تماما يتبع ابن تيمية في قياس الغائب على المشاهد فيد ربه هي مايفهم من المعنى اللغوي عضو وجارحة ومايفهم من الحس مما نشاهده من الأيادي والأعضاء
ولو نقلنا إقرارهم لما انتهينا فهي عقيدة يتناوبون على نشرها وليست مجرد مقتطفات وليس هذا محل الجمع بل التنبيه.
وسننتقل في التدوينة القادمة لتفكيك بعض المغالطات التي تستخدم بكثافة من قبل ابن تيمية وأتباعه والمتعلقة بهذا المبحث
...يتبع
-التبعيض:
أبسط لوازم الجسمية هي الأبعاض والأجزاء فالجسم أبعاض ممتدة في الأبعاد من طول وعرض وارتفاع متغايرة بالاشارة الحسية
وقد قرر ابن تيمية هذه الأبعاض تقريرا واضحا ولكنه دلس لغويا على أصوله التي لاتلتزم بأصول العلوم واللغة (كما فصلت ذلك في تدوينة ابن تيمية ونقضه للغة) وسماها "صفات أعيان" والعين تطلق على الجزأ الجسمي القائم بنفسه..
فقد ألزم الرازي المجسمة أنهم بجعلهم الرب جسما فهذا يلزم منه أن بعضه فوق بعض ويلزم منه أنكم مادمتم تعتبرون العلو المكاني فضلا فالله بعضه الأعلى منه أفضل من بعضه السافل منه وفي هذا من التهافت ماهو واضح..
فرد ابن تيمية عليه
"لايقدح في العالي أن يكون بعضه أعلى من بعض إذا لم يكن غيره عاليا عليه..فالناس مختلفون في صفاته هل بعضها أفضل من بعض...والسلف والجمهور على أن كلامه أفضل من بعض وبعض صفاته أفضل من بعض كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة" درء التعارض (7/12)
"فإذا كانت صفاته كاملة لانقص فيها وبعضها أفضل من بعض لم يمتنع أن يكون هو العالي علوا مطلقا وإن كان منه ماهو أعلى من غيره"! الدرء7/14
هذان النصان مهمان لمعرفة كمية التشغيب التي ينتهجها ابن تيمية إلى حد التزييف على السلف والكتاب والسنة لنصرة رأيه:
أولا: ثبت أن الله عند ابن تيمية جسم له أبعاض بعضها فوق بعض كالمباني والجبال --_تعالى الله عن ذلك علوا كبير_.
ثانيا: تزييف ابن تيمية على السلف فلايوجد أي نص عنهم ولو تلميحا أنهم قالو بتفاضل صفات الله بعضها على بعض
وماذكره ابن تيمية هي مسألة "كون آيات القران بعضها أجره أفضل من بعض"
وهذه الآيات مدلول كلام الله ولم يقل أحد مطلقا أن صفة الله "الكلام لها أبعاض متفاضلة" والمفاضلة هنا هي بالنسبة للمخلوق أي أفضلية وضعية من الله للمخلوق فيضع له أجرا على آية الكرسي أعظم من البقية فهي من حيث دلالتها على صفة الله لا تفاضل ومن حيث أجر المخلوق فأجورهم متفاضلة.
وخلط ابن تيمية بين القولين كخلط من يقول "الله بعضه أقوى من بعض" بناء على أن في المخلوقات التي هي دالة على قدرة الله تفاوت من حيث قوة بعضها وضعف الآخر.
ولكن ابن تيمية قلب كل ذلك وعكسه وعقبه بكذب صريح على السلف فجعل قولهم أن آيات الله بالنسبة لنا تتفاضل في أجورها مساو لقوله أن ذات الله نفسه بعضها أفضل من بعض وصفاته بعضها أفضل من بعض!!
وهذا المسلك القبيح علميا ينتهجه ابن تيمية كثيرا ليغطي عجز الاستدلال عنده، فمن باب النزاهة العلمية كان يمكنه عرض مقالة السلف في تفاوت أجور قارئي القرآن كما هي ثم بعد ذلك يحاول بروابطه العجيبة أن يربط بينها وبين قوله في أن أجزاء الله بعضها أفضل من بعض!
وليس لأن ذلك محال يجوز للباحث أن يخلط كما فعل ابن تيمية ويقفز لرمي القول مباشرة مصورا أنه قولهم لا أنه الزامه المتهافت لهم فهذه مغالطة يترفع عنها الصادق .
وقد ركزت على الاستطراد هنا لتبيين أسلوب ممنهج منتشر في كامل طرح ابن تيمية وهو ماسماه العلماء ووصفوه بالحشو والتشغيب والخلط وهو مذموم وإن كان لدفع باطل لأنه نوع كذب فكيف لو كان لتقرير عقائد!
_إثبات الأعضاء:-
ينقل ابن تيمية عن الرازي رده على طائفة انتسبت للحنابلة في الفقه وخالفتهم في العقيدة فنسبوا لله الأجزاء والأبعاض ويرد ابن تيمية على الرازي منتصرا لقولهم وناسبا قولهم للعالم أجمعين من سلف وأنبياء ومانعلمه ومالانعلمه من مخلوقات الله كعادته التي شرحناها.
"فصل:قال الرازي :[وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض].
..وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد ، وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض ، أو أنهم وصفوه بما يقتضي أن يكون جسما، والجسم متبعض ومتجزئ وإن لم يقولو هو جسم،
فيقال له: لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الاسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها"
بيان التلبيس (1/250)
ولانطول في توضيح ماوضحنا سابقا من زيف نسبة هذا الكلام للحنابلة أنفسهم كمعتقد فضلا عن بقية التهويل الذي دونه من ملل ونحل وسلف وخلف!
فالحنابلة قديما وحديثا في كتب عقائدهم المعتمدة بالسند نصوا على تنزيه الله عن الأجزاء والأبعاض والجسمية ولوازمها من حد ومقدار بل هم أكثر تشددا من غيرهم حيث كفروا حتى من نسبها له دون تصريح.
فيقول ابن بدران الحنبلي في قلائد العقيان في عقيدة ابن حنبل
"يجب الجزم بأن الله تعالى ليس بجسم ولاجوهر ولاعرض ولاتحل فيه الحوادث..فمن شبه الله بشيء من خلقه فقد كفركمن اعتقده جسما او قال جسم لا كالأجسام"
ص96
فعلقو الكفر بمجرد اعتقاد الجسمية كمعنى خلافا لجمهور أهل السنة الذين جعلو في ذلك سعة بين التفسيق والتبديع
نعود للأبعاض والأعضاء ونرى تعامل اتباع ابن تيمية معها وإثباتهم لها
يقول ابن عثيمين في فتاواه (8/59)
"ولانقول إنها أجزاء وأبعاض بل نتحاشا هذا ""اللفظ"" لكن مسماها لنا أجزاء وأبعاض.
لأن الجزء والبعض ماجاز انفصاله عن الكل والرب لايتصور أن شيئا من هذه الصفات التي وصف بها نفسه -كاليد- أن تزول أبدا"
ولنا وقفات هنا:
-أعاد نفس مغالطة ابن تيمية التي وضحتها سابقا وهي زيادة معنى للفظ العضو ليس فيه فلم تشترط اللغة أن تكون اليد ثابتة بإحكام ولاتنفصل أو أن تنفصل حتى تسمى عضوا !
-وضح أن عضو الرب عندهم "اليد" هو مايسمى عندنا جزء وبعض ولكن نتحاشا اللفظ "فمشكلتهم مع اللفظ لا مع المعنى" وعلل ذلك حتى لانتوهم اأن يده مثلنا يمكن أن تقطع وتنفصل
ومما يدل على تلاعب القوم اللفظي وأن مشكلتهم مع الألفاظ لا المعاني ومغالطتهم بالتشتيت بالألفاظ تقيةَ مانصّ عليه ابن القيم في اجتماع الجيوش 1/88
"ولكنا نقول استوى من لامكان إلى مكان ولانقول انتقل, وان ككان المعنى في ذلك واحدا"
فالانتقال هو نقلة الجسم من نقطة إلى أخرى فهو من معاني الجسم وهم يثبتونه كما يقول ابن القيم ولكن يتحاشون تسميته بهذا اللفظ ويسمونه استواء ليكون أرقّ لغة وأقل شناعة من "انتقل الله" فقط!
وهذه حقيقة تشغيباتهم جميعا بالتلبيس بنازاعات لفظية شكليه دون الخوض في صلب الموضوع
-_إثببات الآلات :-
الآلة عرفها العلماء واللغويون بأنها واسطة بين الفاعل ومنفعله لإيصال الأثر إليه.
جاء في الكليات للكفوي: الآلة مايستعان بها في الفعل
وقد نفى المسلمون الآلات عن الله تعالى لإستحالتين
-الأولى أنه ليس جسما وهي جسم وعضو
-الثانية لأنها أمارة الافتقار والحاجة والخالق غني فلايحتاج لآلة ليفعل أو يوصل فعله
ولكن لأن عقيدة التجسيم مبنية على المادية والقياس غائبا بشاهد
فقد أثبت ابن تيمية لله -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- الآلات لأنه جسم والجسم يفعل بآلة كاليد والاقدام
يقول ابن تيمية:
"والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك،
بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل إذ ذاك من صفات الكمال"
التدمرية (ص90)
فهنا نرى أصل ابن تيمية بشكل واضح جدا متسق غير متناقض أبدا وهو قياس الغائب على الشاهد وقياس الرب على الانسان
فيرى أن الرب عنده ليس له كبد وطحال لأنه كما سبق وأثبت غير مجوف فلا يحتاج لآلات الهضم
أما اليد التي هي عضو وآلة للفعل مثلنا فهي منسوبة له لأنه يفعل وبالتالي يحتاج آلة للفعل!
وقد جرى أتباع ابن تيمية على هذا الاصل أيضا
فيقول الشيخ محمد خليل الهراس الذي يصفه التيمية/السلفية بالعلامة السلفي
"ومن أثبت الأصابع لله كيف ينفي عنه اليد، والأصابع جزء من اليد؟"
تعليقه على توحيد ابن خزيمة ص89
تماما موافق للأصل فالله له يد عضو فكيف يثبت له إصبع دو كف وزند وكتف يحمله؟!
وقال أيضا ردا على المسلمين الذين إما فوضو صفة اليد أو أوّلوها بالنعمة بقوله:
"فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لابالنعمة فإن قالوا:الباء هنا سببية أي بسبب إرادته الإنعام
قلنا لهم: بماذا قبض؟ والقبض محتاج لآلة فلا مناص لهم" ص63
فكما رأينا اتساق اتباع ابن تيمية مع مذهبه وأصله فجعلو الله "والعياذ بالله" محتاج لآلات ليفعل مثل البشر يد يمسك بها ويقبض وقدمين يتحرك ولا أدري كيف تجتمع الحاجة مع كمال الغنى للخالق؟!
ويقول أيضا
"يظهر أنّ المنع من إطلاق اليسار على الله عزّ وجلّ إنما هو على جهة التأدب فقط، فإن اثبات اليمين وإسناده بعض الشؤون كما في قوله تعالى: "والسماوات مطوياتُ بيمينه"..يدل على أن اليد الأخرى المقابلة لها ليست يمينا"
تعليق الهراس على "كتاب التوحيد" ص66
فنجد هنا بكل وضوح انطلاق المجسمة كما فعل الهراس من البشر"الشاهد" لإثبات اعضاء الله وهو قياس الشاهد على الغائب فيقول مادام ثبت له العضو اليمين ونحن نرى البشر يدهم اليمين تقابلها يد في جهة اليسار فإذا هذه دلالة عقلية على إثبات اليد اليسار.. وهذا هو العقل عندهم الذي قد يتدثر به بعضهم مجرد خيال طفولي وهذا مبلغ تشدقهم بالالتزام بالنص وماورد عن السلف والذي لايتجاوز الشعار العريض الذي يختفي في اول مبحث عقدي عندهم فتجد عقائد لاتلتزم بنص ولاسلف ولاعقل!
يقول ابن بازفي التعليقات البازية (1/444)
"لكن الأركان والأعضاء والأدوات إن كان المراد أنه تعالى عن القدم واليد والوجه فهذا باطل"
وهذا نقض لعقيدة السنة والجماعة التي نقلت من السلف دون أن يشكك في سندها أحد وهي الطحاوية الذي يقول فيها الطحاوي "تعالى الله عن الحدود والغايات والأركان "
ويقول ابن عثيمين مقررات الاعضاء وآلات الفعل
"مذهب أهل السنة والجماعة أن لله عينين اثنتين حقيقيتين ينظر بهما"
مجموع الفتاوى (4/58)
وهذا اتباع لابن تيمية وإجماعاته الوهمية المزعومة بلا تقرير وبحث لأن مذهب أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا أن الله لاحد ولاجسم ولاعضو ولا آلة له لغناه مطلقا فكيف تثبت له عين محدود وعضو وآلة لينظر بها!؟
ويقول ابن عثيمين في شرح الكافية تعليقا على قول المؤلف "يتقدس الرحم جل جلاله+عنها وعن اعضاء ذي جثمان"
"إن نظرنا إلى ظاهر كلام المؤلف قلنا أنه يدل على ذلك -نفي الأعضاء كالوجه واليد والقدام-
لكن لعلمنا بحال المؤلف وأنه يثبت هذه الصفات لله عز وجل..كما نلعم الشمس في رابعة النهار فإنما أراد نفي خصائص هذه الاعضاء بالنسبة للإنسان ، فخصائص هذه الأعضاء بالنسبة للإنسان يجوز أن تنفصل من جسمه وأن لاتنفصل ، لكن اليد بالنسبة لله عز وجل والساق والقدم والعين لايجوز أن يكون فيها هذا
ولهذا قال العلماء أنه لايجوز أن تطلق على يد الله أنها بعض لأن البعض ماجاز انفصاله عن الكل وهذا مستحيل في حق الله"
فكما شرحنا في التقية اللغوية يوضح ابن عثيمين ثبوت الأعضاء الانسانية لله لكن مع خصائص مغايره وهذه الخصائص محض كونها لاتنفصل مثل ماتنفصل اعضاء الإنسان عنه لا أنها ليست عضوا ولاجارحة ولا آلة ولاجسم كما يحاول البعض من مدافعي المتمسلفة إيهام العامة أنه قولهم!
يقول الفوزان "فدلّ على أن قوله (بيديّ) تثنية يد حقيقية ، كما يفهم هذا من المعنى اللغوي والمعروف في الحس"
لمعة الاعتقاد (ص74)
فهنا نجد الفوزان تماما يتبع ابن تيمية في قياس الغائب على المشاهد فيد ربه هي مايفهم من المعنى اللغوي عضو وجارحة ومايفهم من الحس مما نشاهده من الأيادي والأعضاء
ولو نقلنا إقرارهم لما انتهينا فهي عقيدة يتناوبون على نشرها وليست مجرد مقتطفات وليس هذا محل الجمع بل التنبيه.
وسننتقل في التدوينة القادمة لتفكيك بعض المغالطات التي تستخدم بكثافة من قبل ابن تيمية وأتباعه والمتعلقة بهذا المبحث
...يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق