الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

ابن تيمية فيلسوف المادية... إبطال المنطق /الجزء الأول (4)

‏٤‏-إنكار المعاني المجردة ونقض المنطق:
‏من لوازم المنهج الحسي نقض العلوم العقلية رأساً وقد أفرد يوسف كرم في كتابه أراء فلاسفة الغرب في ذلك ومحاولاتهم المستميته لنقض المنطق وهو نفس الهوى السائد اليوم عند الغرب ومقلديهم
‏فالمنطق قوانين عقلية مجردة لعصمة العقل كما النحو علم لعصمة اللسان
‏والإلتزام بها ينقض العديد من الأسس الفلسفية التي يقوم عليها الكثير من العبث والسفسطة كتوجه نسبية المعرفة
‏أو توجه مادية الوجود أو توجه إنكار الحقائق أو التجسيم والوثنية والثالوث..إلخ
‏وهذا اللازم العقلي للمنهج الحسي من إنكار المنطق وإبطاله التزمه ابن تيمية لسببين ...
‏-سبب معرفي وهو أن إنكاره للمعقولات والتي هي أفعال عقلية لا حسية أداة بطبيعة الحال إلى إنكار العلم الذي يتعاطى معها "المنطق"
‏لذا يبرر إبطاله للمنطق بحصر العلم في الحواس أو مارجع إليها..
‏"إن الله جعل لابن آدم من الحس الظاهر والباطن مايحس به الأشياء ويعرفها ، فيعرف بسمعه وبصره وشمه وذوقه ولمسه الظاهر مايعرف، ويعرف أيضاً بما يشهده ويحسه بنفسه وقلبه ماهو أعظم من ذلك ، فهذه هي الطرق التي نعرف بها الأشياء ، فأما الكلام فلا يتصور أن يعرف بمجرده مفردات الأنبياء إلا بقياس تمثيل أو مركب لفظي وليس شيء من ذلك يفيد تصور الحقيقة ، فالمقصود أن الحقيقة إن تصورها بالحد بباطنه "الخيال" أو ظاهره (الحواس الظاهرة) استغنى عن الحد القولي (طرق المنطق) وإن لم يتصورها بذلك امتنع أن يتصورها بالحد القولي"
‏مجموع الفتاوى ج9 ص28
‏يقرر هنا أن وسيلة المعرفة الحس فقط وأن المنطق والإستدلال العقلي لا يفيد في كل الأحوال
‏-والسبب الآخر هو أن في المنطق ضرر ينقض كل فلسفته سواء ببرهنته على ماينقض تصوره عن الوجود وخالقه أو بأن مجرد فقط قبوله بالمنطق يعني أنه سلم بوجود العقل وبالتالي المعقول وبالتالي أقر برتبة معرفية لا حسية ونقض صمام أمان مذهبه التجسيمي والحسي كله.
‏فهو يرى ( أن المنطق يؤدي إلى إثبات وجود لله يسلتزم وصفاً بالنقيضين ويجعله عدماً كالمعدومات والقضايا الذهنية )
‏الرد على المنطقيين ص318
‏وهذا ناجم عن ماشرحته في التدوينة السابقة من كون الوجود عنده محصور في الأجسام وكون تنزيه الله عن الجسمية وتوابعها مساوي لجعله معدوماً !
‏فهو بهذا يرى أهل السنة بل والمسلمون جميعاً يعبدون عدماً كما يردد أتباعه اليوم .
‏وهذا جميعه يلخصه تلميذه ابن القيم بقوله
‏"والمنطق لو كان صحيحاً كان كالمساحة والهندسة كيف وباطله أضعاف صوابه وأصوله وفساده وتناقض أصوله واختلاف معانيه توجب مراعاتها للذهن أن يزيغ"
‏مفتاح السعادة ج1 ص166
‏وسأشرح مثالاً يوضح أساس نقض ابن تيمية للمنطق:
‏ينقسم المنطق لقسمين التصورات والتصديقات
‏والتصورات هي أساس التصديقات وتعتمد على الكليات الخمس "الجنس والنوع والعرضين والفصل"
‏والغاية منها
‏التعريف ويجب التنبه أن التعريف هنا أنواع
‏1-الحد التام وهو يكون بعد التركيب والتحليل العقلي فنصل لحقيقة أو كنه المراد تعريفه فنصل مثلاً لتعريف الإنسان بماهيته "حيوان ناطق"
‏2-الحد الناقص نصل لبعض حقيقته العقلية ولكن ليست التامة فنعرفه ب "الجسم الناطق" وليس تاماً لأننا لم نصل لحقيقة أدق من "جسم" وهي الحيوانية في تعريفنا
‏(وهذان النوعان من الحدود الغرض منهما معرفة ذات الشيء وحقيقته)
‏3-الرسم ويكون بحقيقة عقلية أو حتى بدونها كتعريفه بحقائق حسية ككونه جسم متحرك بادي البشرة قصير الأظافر..الخ
‏(وهذان النوعان يكون الغرض منهما التمييز فقط بين الشيء وغيره لا أن نعرفه)
‏أما كيف نصل إلى الحد فباختصار نحلل الشيء عقلياً حتى نصل إلى ذاتياته ثم ندع لفظاً يدل على تلك المعاني العقلية التي هي الحد العقلي ونسمي هذا اللفظ حداً من باب أنه دال عليه
‏وهي مايشرحها الغزالي هنا:
‏"فإن قيل بماذا يكتسب الحد؟
‏قلنا بالتركيب وهو أن تأخذ شخصاً من أشخاص المطلوب بحيث لا ينقسم وننظر من أي جنس من المقولات...الخ"
‏معيار العلم/ص263
‏إذا الحد يأخذه الحاد بالتحليل العقلي ثم يضع لفظاً يدل عليه غيره به
‏فأصبحت وسائل معرفة الحد إما بالتركيب العقلي للحاد نفسه أو بالحد الكلامي الجملي الذي يكتبه الحاد أو ينطقه ليدل عليه الآخرين
‏لذا ينص المناطقة على أن طرق معرفة الحد بالحد وغيره أو بالحد ومايشبهه لتشمل الحد المنطوق وعملية الحد العقلية
‏يقول ابن سينا "والذي يكتسب به التصور هو الحد ومايشبهه" النجاة/97
‏نعود لابن تيمية ونستصحب أنه حسي ناكر للمعقول وبالتالي للعملية العقلية أساساً التي نستخرج بها الحد المنطقي
‏فحين أتى لنقض المنطق وجده هرماً بعضه فوق بعض وأساسه الحد كما شرحنا لأنه أساس التصور والتصور أساس التصديق وهذان قسمان المنطق توجه للحد ليبطله
‏ولكن الغريب أنه حاول بطريقة تدليسية حيث ادعى في رسالة نقضه مجموع الفتاوى 9/262
‏-"وأما الحد فالكلام عليه في مواضع:
‏أحدها : دعواهم أن التصورات لاتعلم إلا بالحد الذي ذكروه..
‏ويدل على ضعفه أن الحاد إن عرف المحدود بحد آخر فقد لزم الدور أو التسلسل وإن عرفه بغير حد بطل المدعى"
‏ولنا مع هذه المغالطة الشنيعة وقفة لتأمل كيف يتم التغليط بالتدليس
‏ابن تيمية يقرر أن المناطقة وقعو في الدور وهو أنهم حصروا الحد والعلم به في الحد نفسه يعني لا أعلم أن الإنسان حيوان ناطق حتى أقول لنفسي " الإنسان حيوان ناطق " ولن أقولها لنفسي حتى أعلمها فتناقضت
‏وأنا أدعوكم لوقفة ألم يقرأ ابن تيمية مراجع المنطق المشهورة في عصره والتي نقلنا منها قولهم أن التصور أو طريقة اكتساب الحد بالحد ومايشبهها وبالحد وغيره وبالحد أو التركيب العقلي"!!
‏ ألم يقرأ النجاة لابن سينا أو الميعار للغزالي بدل تأليف قول ونسبته لهم
‏فقد شرحنا أن الحاد يصل للحد بالتحليل العقلي ثم يضع له حداً يدل عليه غيره فلم يدعو ولم يحصروا الطريقة في الحد فقط بل هناك التركيب العقلي الذي شرحه الغزالي
‏ولكن ذلك ليس مستغرب على حسي ينكر التركيب العقلي ولكن المستغرب أن يدلس بنسبة ماتمناه من نفي العملية العقلية لهم رغم أنهم نصو نصاً على عكسه وشرحوا وفصلوا

‏....يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابن تيمية وعقيدة التجسيم.. إثباته الحد والتحيز/ التركيب / والحجم والثقل 4

بعد اكمال السلسلة الأولى في الأصول الفلسفية والمعرفية لعقيدة ابن تيمية بدأت في كتابة سلسلة أخرى توضح فروع تلك الاصول التي اتسق فيها ابن...