الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

ابن تيمية وعقيدة التجسيم..إثبات الأبعاض والأعضاء للخالق 3

‏بعد إثباتنا لتفريع ابن تيمية لجسمية الخالق على أصوله نشرع في رؤية تفريعه لبقية لوازم الجسمية وتأصيلها كمعتقد.
‏-التبعيض:
‏أبسط لوازم الجسمية هي الأبعاض والأجزاء فالجسم أبعاض ممتدة في الأبعاد من طول وعرض وارتفاع متغايرة بالاشارة الحسية
‏وقد قرر ابن تيمية هذه الأبعاض تقريرا واضحا ولكنه دلس لغويا على أصوله التي لاتلتزم بأصول العلوم واللغة (كما فصلت ذلك في تدوينة ابن تيمية ونقضه للغة) وسماها "صفات أعيان" والعين تطلق على الجزأ الجسمي القائم بنفسه..
‏فقد ألزم الرازي المجسمة أنهم بجعلهم الرب جسما فهذا يلزم منه أن بعضه فوق بعض ويلزم منه أنكم مادمتم تعتبرون العلو المكاني فضلا فالله بعضه الأعلى منه أفضل من بعضه السافل منه وفي هذا من التهافت ماهو واضح..
‏فرد ابن تيمية عليه
‏"لايقدح في العالي أن يكون بعضه أعلى من بعض إذا لم يكن غيره عاليا عليه..فالناس مختلفون في صفاته هل بعضها أفضل من بعض...والسلف والجمهور على أن كلامه أفضل من بعض وبعض صفاته أفضل من بعض كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة" درء التعارض (7/12)

‏"فإذا كانت صفاته كاملة لانقص فيها وبعضها أفضل من بعض لم يمتنع أن يكون هو العالي علوا مطلقا وإن كان منه ماهو أعلى من غيره"! الدرء7/14

‏هذان النصان مهمان لمعرفة كمية التشغيب التي ينتهجها ابن تيمية إلى حد التزييف على السلف والكتاب والسنة لنصرة رأيه:
‏أولا: ثبت أن الله عند ابن تيمية جسم له أبعاض بعضها فوق بعض كالمباني والجبال --_تعالى الله عن ذلك علوا كبير_.
‏ثانيا: تزييف ابن تيمية على السلف فلايوجد أي نص عنهم ولو تلميحا أنهم قالو بتفاضل صفات الله بعضها على بعض 
‏وماذكره ابن تيمية هي مسألة "كون آيات القران بعضها أجره أفضل من بعض"
‏وهذه الآيات مدلول كلام الله ولم يقل أحد مطلقا أن صفة الله "الكلام لها أبعاض متفاضلة" والمفاضلة هنا هي بالنسبة للمخلوق أي أفضلية وضعية من الله للمخلوق فيضع له أجرا على آية الكرسي أعظم من البقية فهي من حيث دلالتها على صفة الله لا تفاضل ومن حيث أجر المخلوق فأجورهم متفاضلة.
‏وخلط ابن تيمية بين القولين كخلط من يقول "الله بعضه أقوى من بعض" بناء على أن في المخلوقات التي هي دالة على قدرة الله تفاوت من حيث قوة بعضها وضعف الآخر.
‏ولكن ابن تيمية قلب كل ذلك وعكسه وعقبه بكذب صريح على السلف فجعل قولهم أن آيات الله بالنسبة لنا تتفاضل في أجورها مساو لقوله أن ذات الله نفسه بعضها أفضل من بعض وصفاته بعضها أفضل من بعض!!
‏وهذا المسلك القبيح علميا ينتهجه ابن تيمية كثيرا ليغطي عجز الاستدلال عنده، فمن باب النزاهة العلمية كان يمكنه عرض مقالة السلف في تفاوت أجور قارئي القرآن كما هي ثم بعد ذلك يحاول بروابطه العجيبة أن يربط بينها وبين قوله في أن أجزاء الله بعضها أفضل من بعض!
‏وليس لأن ذلك محال يجوز للباحث أن يخلط كما فعل ابن تيمية ويقفز لرمي القول مباشرة مصورا أنه قولهم لا أنه الزامه المتهافت لهم فهذه مغالطة يترفع عنها الصادق .
‏وقد ركزت على الاستطراد هنا لتبيين أسلوب ممنهج منتشر في كامل طرح ابن تيمية وهو ماسماه العلماء ووصفوه بالحشو والتشغيب والخلط وهو مذموم وإن كان لدفع باطل لأنه نوع كذب فكيف لو كان لتقرير عقائد!

‏_إثبات الأعضاء:-

‏ينقل ابن تيمية عن الرازي رده على طائفة انتسبت للحنابلة في الفقه وخالفتهم في العقيدة فنسبوا لله الأجزاء والأبعاض ويرد ابن تيمية على الرازي منتصرا لقولهم وناسبا قولهم للعالم أجمعين من سلف وأنبياء ومانعلمه ومالانعلمه من مخلوقات الله كعادته التي شرحناها.

‏"فصل:قال الرازي :[وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض].
‏..وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد ، وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض ، أو أنهم وصفوه بما يقتضي أن يكون جسما، والجسم متبعض ومتجزئ وإن لم يقولو هو جسم، 
‏فيقال له: لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الاسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها"
‏بيان التلبيس (1/250)
‏ولانطول في توضيح ماوضحنا سابقا من زيف نسبة هذا الكلام للحنابلة أنفسهم كمعتقد فضلا عن بقية التهويل الذي دونه من ملل ونحل وسلف وخلف!
‏فالحنابلة قديما وحديثا في كتب عقائدهم المعتمدة بالسند نصوا على تنزيه الله عن الأجزاء والأبعاض والجسمية ولوازمها من حد ومقدار بل هم أكثر تشددا من غيرهم حيث كفروا حتى من نسبها له دون تصريح.

‏فيقول ابن بدران الحنبلي في قلائد العقيان في عقيدة ابن حنبل
‏"يجب الجزم بأن الله تعالى ليس بجسم ولاجوهر ولاعرض ولاتحل فيه الحوادث..فمن شبه الله بشيء من خلقه فقد كفركمن اعتقده جسما او قال جسم لا كالأجسام"
‏ص96
‏فعلقو الكفر بمجرد اعتقاد الجسمية كمعنى خلافا لجمهور أهل السنة الذين جعلو في ذلك سعة بين التفسيق والتبديع 
‏  
‏نعود للأبعاض والأعضاء ونرى تعامل اتباع ابن تيمية معها وإثباتهم لها
‏يقول ابن عثيمين في فتاواه (8/59)
‏"ولانقول إنها أجزاء وأبعاض بل نتحاشا هذا ""اللفظ"" لكن مسماها لنا أجزاء وأبعاض.
‏لأن الجزء والبعض ماجاز انفصاله عن الكل والرب لايتصور أن شيئا من هذه الصفات التي وصف بها نفسه -كاليد- أن تزول أبدا"
‏ولنا وقفات هنا:
‏-أعاد نفس مغالطة ابن تيمية التي وضحتها سابقا وهي زيادة معنى للفظ العضو ليس فيه فلم تشترط اللغة أن تكون اليد ثابتة بإحكام ولاتنفصل أو أن تنفصل حتى تسمى عضوا !
‏-وضح أن عضو الرب عندهم "اليد" هو مايسمى عندنا جزء وبعض ولكن نتحاشا اللفظ "فمشكلتهم مع اللفظ لا مع المعنى" وعلل ذلك حتى لانتوهم اأن يده مثلنا يمكن أن تقطع وتنفصل

‏ومما يدل على تلاعب القوم اللفظي وأن مشكلتهم مع الألفاظ لا المعاني ومغالطتهم بالتشتيت بالألفاظ تقيةَ مانصّ عليه ابن القيم في اجتماع الجيوش 1/88
‏"ولكنا نقول استوى من لامكان إلى مكان ولانقول انتقل, وان ككان المعنى في ذلك واحدا"
‏فالانتقال هو نقلة الجسم من نقطة إلى أخرى فهو من معاني الجسم وهم يثبتونه كما يقول ابن القيم ولكن يتحاشون تسميته بهذا اللفظ ويسمونه استواء ليكون أرقّ لغة وأقل شناعة من "انتقل الله" فقط!
‏وهذه حقيقة تشغيباتهم جميعا بالتلبيس بنازاعات لفظية شكليه دون الخوض في صلب الموضوع

‏-_إثببات الآلات :-

‏الآلة عرفها العلماء واللغويون بأنها واسطة بين الفاعل ومنفعله لإيصال الأثر إليه.
‏جاء في الكليات للكفوي: الآلة مايستعان بها في الفعل

‏وقد نفى المسلمون الآلات عن الله تعالى لإستحالتين 
‏-الأولى أنه ليس جسما وهي جسم وعضو
‏-الثانية لأنها أمارة الافتقار والحاجة والخالق غني فلايحتاج لآلة ليفعل أو يوصل فعله
‏ولكن لأن عقيدة التجسيم مبنية على المادية والقياس غائبا بشاهد
‏فقد أثبت ابن تيمية لله -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- الآلات لأنه جسم والجسم يفعل بآلة كاليد والاقدام

‏يقول ابن تيمية:
‏"والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك،
‏بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل إذ ذاك من صفات الكمال"
‏التدمرية (ص90)
‏فهنا نرى أصل ابن تيمية بشكل واضح جدا متسق غير متناقض أبدا وهو قياس الغائب على الشاهد وقياس الرب على الانسان
‏فيرى أن الرب عنده ليس له كبد وطحال لأنه كما سبق وأثبت غير مجوف فلا يحتاج لآلات الهضم
‏أما اليد التي هي عضو وآلة للفعل مثلنا فهي منسوبة له لأنه يفعل وبالتالي يحتاج آلة للفعل!

‏وقد جرى أتباع ابن تيمية على هذا الاصل أيضا
‏فيقول الشيخ محمد خليل الهراس الذي يصفه التيمية/السلفية بالعلامة السلفي
‏"ومن أثبت الأصابع لله كيف ينفي عنه اليد، والأصابع جزء من اليد؟"
‏تعليقه على توحيد ابن خزيمة ص89
‏تماما موافق للأصل فالله له يد عضو فكيف يثبت له إصبع دو كف وزند وكتف يحمله؟!

‏وقال أيضا ردا على المسلمين الذين إما فوضو صفة اليد أو أوّلوها بالنعمة بقوله:
‏"فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لابالنعمة فإن قالوا:الباء هنا سببية أي بسبب إرادته الإنعام
‏قلنا لهم: بماذا قبض؟ والقبض محتاج لآلة فلا مناص لهم" ص63
‏فكما رأينا اتساق اتباع ابن تيمية مع مذهبه وأصله فجعلو الله "والعياذ بالله" محتاج لآلات ليفعل مثل البشر يد يمسك بها ويقبض وقدمين يتحرك ولا أدري كيف تجتمع الحاجة مع كمال الغنى للخالق؟!

‏ويقول أيضا
‏"يظهر أنّ المنع من إطلاق اليسار على الله عزّ وجلّ إنما هو على جهة التأدب فقط، فإن اثبات اليمين وإسناده بعض الشؤون كما في قوله تعالى: "والسماوات مطوياتُ بيمينه"..يدل على أن اليد الأخرى المقابلة لها ليست يمينا"
‏تعليق الهراس على "كتاب التوحيد" ص66
‏فنجد هنا بكل وضوح انطلاق المجسمة كما فعل الهراس من البشر"الشاهد" لإثبات اعضاء الله وهو قياس الشاهد على الغائب فيقول مادام ثبت له العضو اليمين ونحن نرى البشر يدهم اليمين تقابلها يد في جهة اليسار فإذا هذه دلالة عقلية على إثبات اليد اليسار.. وهذا هو العقل عندهم الذي قد يتدثر به بعضهم مجرد خيال طفولي وهذا مبلغ تشدقهم بالالتزام بالنص وماورد عن السلف والذي لايتجاوز الشعار العريض الذي يختفي في اول مبحث عقدي عندهم فتجد عقائد لاتلتزم بنص ولاسلف ولاعقل!

‏يقول ابن بازفي التعليقات البازية (1/444)
‏"لكن الأركان والأعضاء والأدوات إن كان المراد أنه تعالى عن القدم واليد والوجه فهذا باطل"

‏وهذا نقض لعقيدة السنة والجماعة التي نقلت من السلف دون أن يشكك في سندها أحد وهي الطحاوية الذي يقول فيها الطحاوي "تعالى الله عن الحدود والغايات والأركان "

‏ويقول ابن عثيمين مقررات الاعضاء وآلات الفعل
‏"مذهب أهل السنة والجماعة أن لله عينين اثنتين حقيقيتين ينظر بهما"
‏مجموع الفتاوى (4/58)
‏وهذا اتباع لابن تيمية وإجماعاته الوهمية المزعومة بلا تقرير وبحث لأن مذهب أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا أن الله لاحد ولاجسم ولاعضو ولا آلة له لغناه مطلقا فكيف تثبت له عين محدود وعضو وآلة لينظر بها!؟

‏ويقول ابن عثيمين في شرح الكافية تعليقا على قول المؤلف "يتقدس الرحم جل جلاله+عنها وعن اعضاء ذي جثمان"
‏"إن نظرنا إلى ظاهر كلام المؤلف قلنا أنه يدل على ذلك -نفي الأعضاء كالوجه واليد والقدام-
‏لكن لعلمنا بحال المؤلف وأنه يثبت هذه الصفات لله عز وجل..كما نلعم الشمس في رابعة النهار فإنما أراد نفي خصائص هذه الاعضاء بالنسبة للإنسان ، فخصائص هذه الأعضاء بالنسبة للإنسان يجوز أن تنفصل من جسمه وأن لاتنفصل ، لكن اليد بالنسبة لله عز وجل والساق والقدم والعين لايجوز أن يكون فيها هذا
‏ولهذا قال العلماء أنه لايجوز أن تطلق على يد الله أنها بعض لأن البعض ماجاز انفصاله عن الكل وهذا مستحيل في حق الله"
‏فكما شرحنا في التقية اللغوية يوضح ابن عثيمين ثبوت الأعضاء الانسانية لله لكن مع خصائص مغايره وهذه الخصائص محض كونها لاتنفصل مثل ماتنفصل اعضاء الإنسان عنه لا أنها ليست عضوا ولاجارحة ولا آلة ولاجسم كما يحاول البعض من مدافعي المتمسلفة إيهام العامة أنه قولهم!

‏يقول الفوزان "فدلّ على أن قوله (بيديّ) تثنية يد حقيقية ، كما يفهم هذا من المعنى اللغوي والمعروف في الحس" 
‏لمعة الاعتقاد (ص74)
‏فهنا نجد الفوزان تماما يتبع ابن تيمية في قياس الغائب على المشاهد فيد ربه هي مايفهم من المعنى اللغوي عضو وجارحة ومايفهم من الحس مما نشاهده من الأيادي والأعضاء

‏ولو نقلنا إقرارهم لما انتهينا فهي عقيدة يتناوبون على نشرها وليست مجرد مقتطفات وليس هذا محل الجمع بل التنبيه.
‏وسننتقل في التدوينة القادمة لتفكيك بعض المغالطات التي تستخدم بكثافة من قبل ابن تيمية وأتباعه والمتعلقة بهذا المبحث 

‏...يتبع

الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

ابن تيمية وعقيدة التجسيم.. إثبات الجسمية للخالق 2

-إثبات الجسمية للخالق "تعالى عن ذلك علو كبيرا"

ماهو الجسم؟
الجسم حقيقة بسيطة واضحة بل بدهية وهي كون الشيء ذا كتلة أو بتعبير أدق ممتد في الأبعاد وبتعبير مرادف مجتمع بعضه على بعض وليس لغزا ولا لفظا مجمل ولم يقل لغوي ولاعاقل أنه مجمل فا"المجمل في أصول الفقه واللغة كلفظ "القُرء" له عدة معاني مختلفة تماما وضعته العرب عليها لذا لايفهم لوحده إلا بقرينة لتحديد المعنى المقصود"

يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة:
"جسم: الجيم والسين والميم ، يدل على تجمع الشيء ..
جسد: الجيم والسين والدال ، يدل على تجمع الشيء أيضا واشتداده"
"1/457"
ويقول الراغب في مفرداته:
"الجسم: ماله طول وعرض وارتفاع"

وكما نرى أن الجسم حقيقته لغة هو مطلق التجمع والامتداد الناتج عن التركب
وعلى هذه الحقيقة اللغوية بنيت اصطلاحات العلوم عند المتكلمين وغيرهم:
فلم يخالف عاقل في حقيقة الجسم أي "كونه المركب أو الممتد في الأبعاد"
أما من ماذا يتكون فهذا مبحث اخر زائد فبعد ثبوت معنى الجسم اختلف في تكونه فلسفيا هل هو من هيولى وصورة أو من جواهر فردة وكم عددها..الخ
وهذا مبحث فرعي لاعلاقة له بالجسم أو عدمه كما أن لون السيارة ومادة صنعها هل هي حديد أم ألمنيوم لاعلاقة له بمعنى السيارة لانفيا ولا إثباتا!
وهنا مغالطة للتشويش يستغلها المجسمة:
ومنها ما يفعله ابن تيمية بقوله أنهم اختلفوا في معنى الجسم بناء على اختلافهم في هذا المبحث وهذه مغالطة منطقية تسمى "رجل القش" وهي من مفضلاته.
وكذلك مايفعله من إضافة بحث طويل عن هل الجسم المقصود به "ماكان مفترقا ثم اجتمع ويقبل الإفتراق أو مالم يكن كذلك" فلاعلاقة له" 
فهي نفس المغالطة باستخدام رجل القش وهذا النقاش يكون بين مجسم ومجسم أي بين اثنين أثبتا الحقيقة العقلية واللغوية التي شرحناها للجسم ثم يتناقشون في مادة تكوين ربهم وهيئته وهل يقبل الافتراق أم لا!
أما حشره في نقاش عن مطلق الجسم بين ناف للجسمية ومجسم  فهو كما قالنا مغالطة شنيعة لاينبغي أن يُستغفل بها عاقل.

نبدأ بإثبات الجسم:
بعد أن أوضحنا معنى الجسم وتبين وضوحه وأنه "تجمع الشيء" وكونه متحيزا ذا كتلة وحجم وممتد في الأبعاد
نجد ابن تيمية يثبت ذلك لله من أول كتبه إلى آخرها ويعتبرها أصولا.

فمثلا :
نزلت سورة الصمد لتنزيه الله عن الجسمية حين سأل اليهود الذين تشربوا التجسيم النبي صلى الله عليه وسلم من أي شيء ربك أمن حجر..الخ
فنزلت "قل هو الله أحد"
ولم يختلف لغوي ولامفسر سابقا ولاحقا في تفسيرها بمقتضى اللغة والشرع ودلالتها على واحدية الله وعدم تركبه وأنه ليس جسما مركبا..
فقد رأينا في التدوينة السابقة باسم (ابن تيمية فيلسوف المادية..الأصول المعرفية للتجسيم) تفسير ابن تيمية لاسم الله الواحد حين رد تفاسير المفسرين واللغوين الذين نصوا على أنه دلالة على واحديته النافية لكونه ذا حجم ومقدار ومركب فرد ذلك كله وسأنقل كلامي السابق هنا للمناسبة (

‏فسر المفسرون دلالة اسم الواحد بأنه نفي للمقدار"الحجم" والانقسام وغيرها من لوازم الجسم عن الله وبأنه موجود ذا حقيقة مغايرة للوجود المخلوق المادي
‏ومن هذا قول الإمام القرطبي:
‏"الواحد هو الذي لايتجزأ ولايتثنى ..والله واحد بمعنى أنه يستحيل "تقدير الانقسام في ذات" "
الأسنى/3/133
‏وهذا تفسير المفسرين لاسم الواحد والأحد والصمد
‏من كونها دلالة على نفي المقدار ونفي الامتداد عن الله وهذا معنى "نفي تقدير الإنقسام" لأن كل متجسد يمكن تقدير او تخيل انقسامه الى كميات وزنية وطولية..

‏أما ابن تيمية الذي يثبت ذلك كله لله بناء على أصله المعرفي فهاجمهم فيقول:
‏"أما مافسر به هؤلاء اسم الواحد من التفاسير .. باطل بلاريب شرعا وعقلا ولغة:

‏أما في اللغة.. فالقرآن ونحوه من كلام العرب متطابق كما هو معلوم بالاضطرار في لغة العرب وسائر اللغات أنهم يصفون كثيرا من المخلوقات بالواحد ويكون ذلك جسما..
‏وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحدا امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لاينقسم إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم... بل لايوجد في اللغة اسم واحد إالا على ذي صفة ومقدار"
‏في هذا النص أوجه مهمة
‏أهمها مهاجمة من نفى الحجم "المقدار عن الله" واعتباره أن اسم الواحد لله دليل على ان الله له مقدار "حجم"
‏أما الثاني فهو اسلوب ابن تيمية في التلبيس والتزييف
‏أولا يهول ويرتكب مغالطة التشنيع حين يقول "في لغة العرب وسائر اللغات" فهل هو يعرف سائر اللغات حتى يسوق هذا التشنيع الذي يبتهج به من تم استغفاله!
‏الثاني زيف حجته نفسها في معرفته بلغة العرب وكونهم لايطلقون الواحد إلا على ذي مقدار وحجم!!
‏ولن نذهب بعيدا لقواميس اللغة لنرى هل حجته حقيقية أم زائفة بل يكفينا نفس القرآن
‏ففيه
‏"فيميلون عليكم ميلة واحدة" و "قل إنما أعظكم بواحدة" و "لاتدعوا اليوم ثبورا واحدا"
‏...الخ من اطلاق وصف الواحد على ماليس جسما ذا مقدار 
‏وامثال هذه التزييفات هي مايتم التلبيس بها على اتباعه الذين لايكلفون أنفسهم البحث خلفه لأنه المعصوم والمعيار..

‏يكمل ابن تيمية مهاجمة من نفى الحد والمقدار عن الله تأكيدا بقوله
‏"وأما الشرع فمن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات ((وسلب ادراكه بالحواس ولانفي الحد والقدرونحو ذلك من المعاني"
‏بيان التلبيس/1/484

‏ويكمل ابن تيمية معترضا على الرازي:
‏"قال-أي الرازي- الجسم أقله أن يكون مركبا من جوهرين وذلك ينافي الوحدة. وقوله "أحد" مبالغة في الوحدانية. فكان قوله أحد منافيا للجسمية.

‏يقال له: هذا يقتضي أن شيئا ممايقال له جسم لايوصف الوحدة.. ومعلوم أن هذا خلاف مافي الكتاب والسنة وخلاف لغة العرب 
‏قال تعالى
‏"خلقكم من نفس واحدة"
‏... واذا كانت حواء خلقت من جسد آدم وآدم جسم من الأجسام وقد سماها الله نفسا واحدة علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة"
‏تلبيس الجهمية/448

‏وقد عرفنا في الاقتباس الماضي تلبيسه في الاحتجاج باللغة وهنا تلبيسين جدد يوضحان بعض مسالكه التي يكثر منها
‏اولا اللعب بالمصطلحات:
‏فاللغويون والمتكلمون والمفسرون نصوا على أن للواحد معاني منها الواحد الحقيقي الذي لايقبل الانقسام مطلقا
‏ومنها الواحد الإضافي الذي لايقبل الانقسام من وجه فقط
‏فمثلا الماء واحد من حيث أنه لايقبل الانقسام من جهة حقيقته المائية ولكنه متعدد ان قسمناه من جهة الكم في قوارير مثلا
‏والحيوان واحد اضافي من جهة الماهية الحيوانية ولكنه متعدد من جهة النوعية كالانسان والخيل..
‏وهذا كله راجع للغة والعقل ومبسوط في التفاسير والكتب ولم يخالف فيه سوى ابن تيمية لغويا "كما رأينا في ادعاءه الذي خالف حتى لغة القرآن" وعقليا من حيث منهجه الحسي
‏لذا قوله "السلف والعلماء والمتكلمون..الخ" تشنيع مطابق لما حللناه اعلاه حين شنع "بمخالفة التفسير لكل اللغات!!"
‏ولو تتبعته لم تجد لاسلفا ولاخلفا كما تتبعنا كلامه عن سائر اللغات فوجدناه مخالف للعربية نفسها فضلا عن الباقي!
‏وهذا نفس منهج اتباعه اليوم حين يقول لك أحدهم هذا ماقاله ابن تيمية وابن القيم وغيرهم.
‏محاولين تصوير الكثرة ولو سألتهم من غيرهم؟ لما وجدت احدا لكونه منهج شاذ يفتقر قائم على بضع افراد 
‏)

فنجد هنا ابن تيمية يضرب عرض الحائط كل قوانين الأصول واللغة (وقد وضحنا هدمه لمعايير اللغة والأصول في تدوينة ابن تيمية ونقض اللغة) ويرد ما عليه مفسرو أهل السنة بل والفرق الأخرى من المسلمين ليجعل الواحد الذي هو دلالة على وحدانية الله وتنزهه عن الجسمية دليلا على جسمية الله وكونه ذا حجم ممتد في الابعاد _تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا_

فهو يرى أن كون الله جسما ذا حد وحجم ضروري فهذه من أصوله التي يثبتها لكونها من لوازم الجسمية
ولكن لشدادة مغالطته لايجد حرجا في قول أن عقيدته -التي تخالف أهل السنة والجماعة والشيعة والمعتزلة بل التصور الاسلامي الدقيق والسليم للخالق والذي عليه المسلمون والمفسرون والسلف والخلف- يجعلها ضرورة شرعية معلومة لم يكتشفها غيره وغفلو عنها وهذه من مغالطاته المفضلة حيث يستشهد بجماعات في خياله حتى لو نص نفسه على انه المكتشف بل يصل إلى الاستشهاد بكل لغات العالم كما قال (الواحد في كل اللغات لايدل على ماليس ذا جسمية وحجم) ونجد انه في ذات القرآن دل الواحد على ذلك!
وقد ختم مبحثه هذا بقياس (الشاهد على الغائب)
فيقول:
" إذا كان ما ذكروه من المعاني التي يجعلونها كثرة وتركيبا هي ثابتة لكل موجود وذلك لايمنع أن يكون المخلوق واحدا فكيف يمنع أن يكون الاله الذي ليس كمثله شيء واحدا"
تلبيس الجهمية 2/70
فهنا عدة وقفات
الأولى ماشرحناها من كونه يجعل الموجود مساوي للجسم فلا موجودا إلا الجسم
لذا جعل مانفاه المفسرون من "لوازم الجسم كالتركيب الذي  هو امتداد في الابعاد" ملازما لكل موجود
ثم ببساطة قال ردا عليهم مادمنا نقول للجسم البشري واحدا رغم انه ممتد ومركب ومتحيز فهذا يعني انه يقال لله واحد رغم انه كذلك.

-ننتقل الآن إلى تحديده لنوعية الجسم الذي أثبته:-

في غرابة استدلالية لا تقل عن ماسبق استدل ابن تيمية بقول الله "الله الصمد" على أنه جسم مصمت غير مجوف ضاربا بأصول التفسير والمفسرين واللغة عرضا الحائط -تعالى الله عن ذلك-
يقول ابن منظور في اللسان :
من معاني الصمد 
 "قيل:الصمد هو المصمت الذي لاجوف له وهذا المعنى لايجوز على الله" 
(3/259)

هذا من ناحية لغوية وهذا كلام لغوي لا من ناحية عقدية
فالصمد بالمعنى هذا "المصمت الغير مجوف" كالعمى من الألفاظ المتضادة فلا يحمل على هذا المعنى أي "لاجوف له" إلا حين يطلق على جسم لأن غير الجسم لايكون مصمتا ولامجوفا أصلا كما أن الحائط لايكون أعمى ولابصيرا أصلا..وهذا نص كلام اللغويين.
وعلى هذا سار جميع المفسرين من كل الفرق ففسروا اسم الله الصمد ب "السيد والذي يصمد له الناس في الحوائج" حتى القلة ممن أطلق منهم معنى "الذي لاجوف له ولايأكل ولايشرب" أطلقه بالسلب المحض كإطلاقنا نفي الأنوثة عن الملائكة لابمقتضى اثبات ضدها"أنهم ذكور" لأنهم غير قابلين للشيء ولاضده.
فلم يطلقوه على أنه قابل لضده وأنه يقتضي التجمع والضم أوأنه لا يتفرق!
ولكن هذا لم يعجب ابن تيمية الذي يثبت الجسمية فانبرى لمحاربة تفاسيرهم وإبدالها بالتفسير الجسمي

يقول ابن تيمية:
"وقد أخبر الله في كتابه أنه الصمد، وقد قال عامة السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم: إن الصمد هو الذي لاجوف له وقالو أمثال هذه العبارات التي تدل أن معناه لايفترق ، واللغة تدل على ذلك ، فإن هذا اللفظ وهو لفظ(صمد)يقتضي الجمع والضم"! 
بيان التلبيس(4/93)
نرى نفس المغالطة من اختلاق إجماع على لسان السلف والصحابة لاوجود له بل كل التفاسير والنقول والفرق والجماعات نقلت عن السلف عكس كلامه ولكن لايتورع عن مثل هذا !
أما كلامه فجميل جدا فهو مطابق لنفس المعنى اللغوي الذي نقلناه من المعاجم لمعنى ففي المعجم "جسم:المجتمع المضموم الى بعضه المتحيز" وعند ابن تيمية معنى اسم الله الصمد "أنه مجتمع مضموم غير مجوف".
وقال 
"لفظ الصمد يدل على أنه لاجوف له" بيان التلبيس (3/463)
وقال
"لفظ صمد يدل على الإجتماع المنافي للتفرق والخلو والتجويف...وهو ضم وجمع ينافي الإنفتاح والتفرج..واسمه الصمد يوجب تنزيهه عما يجب في من الإنقسام والتفرق"
بيان التلبيس(3/465)
وقال:
"هذا يدل على أن صمديته تنافي جواز التفرق والانحلال عليه،فلايخلو إما أن تكون دلت على ذلك أم لم تدل عليه فإن كانت دلت على ذلك وعلى أنه مصمت لاجوف له فقد بطل قولك_أي الرازي_ في أن كل جسم يجوز عليه التفرق والانحلال"
بيان التلبيس(4/99)
وهذا النص مهم
فالرازي ألزم المجسمة أنه لو كان الله جسما لجاز عليه التفرق والانحلال
فرد عليه هنا ابن تيمية برد واضح أن آية "الصمد" دلت على أن الله ""مصمت"" والمصمت هو الجسم المكتنز الذي لاجوف له كقالب الحديد كما شرحه ابن تيمية نفسه وكما هو في كتب المعاجم واللغة
فمادام الله مصمت لايجوز عليه الانحلال بطل قولك يارازي أن كل جسم يجوز عليه الإنقسام والتفرق..
((تعالى الله وتقدس عن هذا القول ))
فقد جعل ابن تيمية الصمد الذي ورد تفسيره عن ابن عباس بكونه "معناه الذي يصمد له في الحوائج"
جعله ابن تيمية أنه دليل على أن الله مجتمع مضموم بعضه إلى بعض غير مجوف بل مصمت تماما مطابقا لمعنى الجسم في المعاجم..

وهنا اتضح اتساق ابن تيمية مع أصوله التي سردناها من الصفر وإثباته ربّا مجسدا دون حرج وبوضوح وهو مالم يوفق فيه اتباعه الذين حاولوا جعلها باطنيا لايمكن لأحد أن يعرف مايثبت أو ماينفي وأعني الأتباع الجدد المتعقلنين وليس السابقون كتلميذه ابن القيم ومشايخ الوهابية مثل ابن عثيمين وابن باز الذين سنرى صراحتهم واتساقهم معه..

تنبيه:يستخدم ابن تيمية مغالطة الإجمال بناء على هدمه اللغة لا لكي يتملص من عقيدته وإنما لكي يخفف شناعة ما يعتقده والذي لم يكن مقبولا في الأوساط الاسلامية السائدة فمما شرحناه فهمنا مقصده ب "الجسم لفظ مجمل" وأنه ليس الإجمال اللغوي المعروف في كتب الأصول وإنما إجمال من ابتكاره..
فهو عد "أنوع الأجسام وأحوالها" معاني مستقله لاعلاقة بينها رغم أن هذا ليس صحيحا وبمقياسه فاللغة كلها مجملات لأن الكلمة معنى وله مصاديق عديدة وبهذا لايمكن أن نفهم بعض أبدا بل سينقضي عمرنا في انتظار فك الإجمال وإجمال الإجمال..الى مالانهاية!
وهو كقول القائل "الكلمة لفظ مجمل" لأن منها الفعل والحرف والاسم!
وهذه المغالطة سطحية جدا فالفعل كلمة والاسم كلمة والحرف كلمة وليست معاني متفرقة بل الكلمة معنى مستقل وماتحتها أنواع منها..
فابن تيمية حين ينفي عن الله الجسم لاينفي الجسم كمعنى بل ينفي أنواعا من الاجسام نص عليها "ماكانت مجتمعة وتقبل التفريق والقطع وماكانت من لحم ودم وعصب" وحين يثبت لله الجسم يثبت النوع المطلق من الجسم "المعنى الأساسي" مع تفويض لكيفيته المعينة التي نفى بعضها..
ورغم أن هذا مانص عليه ابن تيمية نفسه وتلامذته وأتباعه -وسنرى اتفاقهم في التدوينات القادمة_ إلا أننا نجد فئة المتمسلفة الجدد المتعقلنين يحاولون جعله باطنيا لاينفي شيئا ولايثبت شيئا ولاتعرف ماهو ولايمكنك ان تعرف فهو من ألغاز الله المقدسة وهم مع المسملين مجسمة ومع الملاحدة منزهة ومع غيرهم لا لون لهم!!
فابن تيمية الذي ألف كتابا ضخما من مجلدات للرد على كتاب الرازي "اساس التقديس" الذي موضوعه (الله ليس جسما) وهي قضية سالبة نقيضها الذي يحاول ابن تيمية إثباته (الله جسم) 
تجد هؤلاء المتمسلفة الجدد تحت وطأة الحرج المصاحب للتقديس يجعلون ابن تيمية "كان يمزح وإنما ألف كتابه لاثبات قضية الرازي في كون الله ليس جسما"!
لذا وجب التنويه على ذلك حفاظا على الانضباط العلمي الذي يحاول هؤلاء العبث به ونجد أن أول من يرد عليهم هم اتباع ابن تيمية الذين وافقوهم في تقديسه وخالفوهم في الحرج من معتقده.

وسنكمل لاحقا تقرير بقية عقائد ابن تيمية التي قررناها في تدوينة "المتن العقدي"
..يتبع

الاثنين، 11 سبتمبر 2017

ابن تيمية وعقيدة التجسيم.. المتن العقدي 1

بعد أن وضحنا في سلسلة التدوينات السابقة التي بعنوان "ابن تيمية فيلسوف المادية" أصول ابن تيمية ومطابقتها للمنهج المادي الحسي نشرع في توضيح عقيدته المتسقة مع تلك الأصول التي قعّدها.
ولتأكيد ذلك نستخدم أصوله نفسها لتقريرها على طريقة متون العقلاء ثم نستخدم كلامه لرؤية ذلك التقرير

-الأصل الأول هو حصر المعرفة في الحس:
وهذا الأصل يستلزم نفي الاستدلال العقلي لأنه طريق غير حسي للمعرفة ويجوز إمكان إثبات موجود غير مادي متحقق في الواقع وهذا ينقض معتقد ابن تيمية..
وبالتالي انسد باب العلم بالله عقلا ولكن ابن تيمية متدين فلم يبقى له سوى المصادرة بإثبات وجود الله دون دليل أي كمسلمة وهذه المصادرة سماها "الفطرة"

-الأصل الثاني قياس الشاهد على الغائب:
"وهذا القياس الحسي يعتمد على أنه مادام ليس في الوجود سوى المواد المحسوسة فالقياس الممكن هو الإنتقال من المحسوس المشاهد إلى اثبات محسوس غائب
وقد فصلت هذا القياس التيمي في التدوينة السابقة التي بعنوان "الأصول المعرفية للتجسيم" من شروح ابن تيمية نفسه لها."
ومادمنا أثبتنا الإله مصادرة فالإله يجب أن يكون له صفات ولكن هذه الصفات ليست من استدلال عقلي لإنسداده فماذا بقي؟
بقي أن ننطلق مما نشاهده ونختار للإله صفاته والأختيار سيكون مبنيا على معتقد مسبق وأصول ثم تتم محاولة شرعنته اعتمادا على "الظواهر النقلية أو رد دلالات النصوص" والظاهر كما في أصول الفقه مغاير للنص فهو "ما احتمل معنيين أحدهما راجح والآخر مرجوح" وهذا كله اعتمادا على مانعتبره كمالات من الأجسام التي نراها في ما نشاهده بحواسنا وتليق به .
-أوّل مانبدأ به هو أننا في الشاهد لانجد سوى الأجسام التي تقوم فيها الأعراض
وهذا مساو للموجود عند ابن تيمية فبالتالي الله مادام موجودا فهو جسم تقوم فيه الأعراض ولكنه إله لذا يجب أن يكون مميزا فنجعله جسما لكن بشرط زائد لغويا وعقليا على حقيقة "الجسم" ، وهو أنه لم يكن متفرقا واجتمع ولايمكن تفرقه بمعنى جسما كان مجموعا على الدوام.
ثم يجب لتحقيق ذلك الشرط أن يكون جسما مصمتا أي غير مجوف فنثبت ذلك له.
-ثانيا نثبت لواحق الجسم من الحد والحجم والتركيب وجواز الحركة والسكون ونثبت الجسم الكامل وهو في المخلوقات "الإنسان" فنثبت لله أعضاء وجوارح وأجزاء كاليدين والعينين والساق..الخ
ونجد في الشاهد أن الانسان محتاج للآلات للفعل كاليد للقبض والقدمين للحركة
فنثبت له آلات الفعل ولكنه اله مصمت أي غير مجوف فبالتالي لايحتاج للمرئ والمعدة لعدم حاجته للأكل فننفيها عنه.

-ثالثا نرى أن الأجسام تتكمل شيئا فشيئا ونراها تتأثر وتنفعل وتقوم فيها الحوادث التي هي أشياء تنخلق ثم تنعدم. 
لذا نثبت لله أنه يزداد كمالا شيئا فشيئا بكون من كمالاته وجود المخلوقات المتتالية بالفعل وكل مخلوق هو كمال لله جديد لم يكن عنده قبلا 
ونثبت لله أنه متأثر بالقدرة وينفعل ويتحرك ويصعد وينزل وغيرها من التأثرات ولكن بشكل مميز فهو يؤثر في ذاته بنفسه فيخلق فيه كمالاته في داخله ومخلوقاته في خارجها ويجب أن نضيف ميزة له وهي أن نمنع "مجرد تسمية" مايخلقه في داخله بالمخلوقات حتى لايصبح شنيعا قولنا الخالق في داخله مخلوقات ونسميها حوادث فيصبح الخالق في داخله حوادث.
-ثم بعد ذلك لانجد جسما يخلق شيئا من العدم؟!
وبحسب الخيال لايمكننا تخيل شيء لامن شيء فنحن نرى النجار لايخلق السرير من عدم بل من خشب يعدم صورته كجذع ليصنع منها طاولة!
لذا نثبت لله أنه لايخلق شيئا من عدم بل لايخلق شيئا إلا من مادة سابقة وهكذا إلى ما لابداية فيصبح العالم لازم من لوازم الله لا أن الله كان ولاشيء معه "كما يقول المسلمون في عقائدهم جميعا" ثم خلق .
لأن ذلك محال على الجسم ومحال في الخيال ولكوننا نستند على الخيال والشاهد فنقيس على هذا فقط ومابعده محال كما نص عليه ابن تيمية "راجع التدوينة الثالثة في السلسلة السابقة"..
ثم نفكر في مكان الله فكل جسم له مكان فنثبت لله مكان وسيكون في الأعلى ولكن العالم كروي فهنا يجب علينا أن نثبت علو الله كرويا بمعنى الأحاطة فتترتب الاشكال الهندسية للوجود من كرات داخلة في بعضها سطحها الخالق وداخلها الموجودات.
ثم بعد ذلك نبحث في هيئة الله لنثبت أنه في أتم "صورة" وجالس بزهو على عرش فليس أقل من الملوك الذين يجلسون على كراسي في الشاهد.
ولكنه يفوقهم حجما لأنه اله فنثبت له قدر"حجم" عظيم وأكبر من الاجسام المشاهدة بكثير.
ثم بعد ذلك نفصل صفاته الأخرى فنقيس صفة الكلام عنده على مانشاهده فنرى أننا نتكلم بكلام مخلوق وحروف وأصوات فنثبت ذلك لله فكلامه مخلوقات في داخله -اتفقنا على تسميتها حوادث كنوع من التمييز اللغوي لشناعة لفظة مخلوق في خالق- من حروف وكلمات في داخله يخلقها ثم يلفظها...الخ 
ونبدأ فقط بوضع بعض العوازل الشكلية لإضفاء نوع من القداسة على الإله فنبدأ ننازع هل يسمى جسما أم لا "وطبعا النزاع في التسمية واللفظ لا في المعنى فهو ثابت له" 
وهذا ملخص المعتقد المنبني باتساق على الأصول المادية إن تديّن أصحابها..

تنبيه: هكذا تصاغ المتون العقدية على الأصول عند العقلاء لأنها لوازم الأصل كلزوم النهار لطلوع الشمس فلا يقال الشمس طالعه ولكني لم أقل النهار موجود !
فهذا محله العلوم التي تقبل تعاقب المتضادات كالعلوم الطبيعية فقد يوجد الماء بارد او حار أما في العقائد المعتمدة على الأصول المعرفية فلكي تنفي اللازم لابد من إثبان أن الأصل المعرفي يستلزم نقيضه أو لايقبل هذا القول
 وتسوق دليلا على استحالة ذلك وليس كما يفعل الماديون من سلفية وملاحدة في النقاش الالهي حيث يعتمدون على النقل والرصد الاستقرائي لا على الأصل والتأسيس العقلي.

فالعقائد على مستوى الالهيات تختلف عن الممكنات ففي العقائد قاعدة
" كل ماثبت جوازه لواجب الوجود وجب له."
لأنه واجب الوجود فلافرق بين قولك لا أنفي ولا أثبت للخالق الذيل وبين قولك الخالق له ذيل.
فالتجويز = الاقرار
لذا يجب سوق دليل العدم لا الاكتفاء بعدم الدليل حين نتحدث عن العقائد.
وهنا تحدث الكثير من المغالطات بسبب عدم العقيدة واقعا فتجد التيمي يسارع لنفي مثلا "أن ابن تيمية يقر بمحدودية الله الجسمية" 
ثم حين تثبتها له يرجع فورا مقرا بدعوى أنها ثبتت نقلا !
وهذا التصرف تشغيب وضلال علمي وشرعي .


ننتقل لرؤية اتساق ابن تيمية وأتباعه مع العقيدة السابقة التي استنبطناها بشكل بسيط تفريعا على اصوله المعرفية ونرى عبقرية اتساقه وعدم تناقضه.


..يتبع

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

ابن تيمية فيلسوف المادية.. نقض ا"للغة/الأصول" والتلبيس على العامة (6)

‏أما في الجانب اللغوي: 
‏فمعلوم أن اللغة علم قائم كلي وألفاظ دالة على معاني مجردة
‏وهذه بأكملها ينكرها ابن تيمية بسبب إنكاره للعقل وواقعية كل ماهو ليس جسما أو قائم في جسم.
‏فالذي لزم عنه هو إبطال اللغة كعلم قائم ثابت وأصول الفقه كعلم عقلي لضبط فهم اللغة فأصول الفقه علم مبني على الأصول الفلسفية والمعرفية وليس مستقل
‏-ولذا وقع أتباع ابن تيمية في مأزق اللا أصول ولفّقوا مؤخرا أصولا تخالف منهجهم الفلسفي هم فيها عالة على أهل السنة فكتب الأصول التي يستعرضون بها كتب سنية أشعرية مبنية على "نظرية المعرف العقلية التي شرحتها" -
‏ومن ذلك نشأت عند ابن تيمية فكرته في "إنكار المجاز"..

‏فكما نعلم المجاز يعني أن اللفظ وضع وضعا أوّلي لمعنى مجرّد 
‏"كلفظ أسد" فهو يدل على معنى إن تجرد لا على أسد معين وهذا المعنى ينطبق تماما على كل ماتحققت فيه "ماهية الأسدية"
‏ثم بمعرفة الوضع الأول نحدد المجاز وهو الإستعمال الثاني لِلّفظ ونحدد المنقول والمشترك والمضمر والعام والخاص ومن مثل هذا ينشأ علم اللغة وعلم أصول الفقه فلايستطيع أحد العبث في اللغة ولو بعد آلاف السنين "فالوضع" هو صمام أمانها فمثلا لايمكنك أن تقول لنا أن "قطع يد السارق" تعني المنع فقط لأنه عليك التبرير بقرينة لانتقالك من معنى راجح قياسا على الوضع الأول الى معنى مجازي مرجوح..
‏فهذه النظرية الإسلامية اللغوية وهي "الوضع" كانت أساس علم اللغة بكل أصنافه وأساس علم أصول الفقه الذي وقف حجر عثرة أمام تحريف دلالات اللغة سواء في النصوص المقدسة أو غيرها وهي سبب حفظ اللغة العربية بخلاف اللغات الثانية التي لم تصلها إلا مؤخرا مما أدى لقطيعة بين أولها وآخرها..

‏ولأن لوازم المذهب الحسي "الاسمية" وهي منحى فلسفي بائس يمكن مراجعتها للتعرف عليها في معتمدنا هنا "العقل والوجود"
‏بطل على مذهب ابن تيمية علم اللغة وعلم أصول الفقه فمن ناحية هو علم ومبني على كليات ومعاني لا على محسوسات وجزئيات ، وهو عقلي مبني على ماهيات مجردة
‏وهذا كله يسبب أزمة للمذهب التيمي تطابق أزمة المنطق لذا نقضها بنقض الوضع الأول بل يعتبر سابق للتفكيكيين الحداثيين في تفكيكه اللغه..
‏وللتوضيح سأنقل شرح يوسف كرم للإسمية التي تورط بها الحسيون وهو عين ماتورط به ابن تيمية وأداه إلى تفكيك اللغة وخلخلت أصولها
‏"بل إن مبدأهم قد ساقهم ماهو أشد تخلفا وأدعى للعجب، ذلك بأنهم لم يؤمنو بالمعاني وآمنو بالألفاظ...وانتهوا إلى أن مدار العلوم على ألفاظ  فإنكارهم العقل قضى عليهم بإنكار العلم"
‏يوسف كرم/العقل والوجود/ص18
‏"ينكر الحسيون وجود معان في أذهاننا ويبنون هذا الإنكار على اعتبارين: أحدهما أنه لما كان كل موجود حسيا ، كانت معارفنا إما احساسات أو راجعة لإحساسات 
‏الآخر أن المعنى الكلي تصور متناقض إذ أن الكلية تمنع المعنى من التعيين (يعني ان المعنى الكلي لايدل على محسوس) بينما كل موجود فهو متعين حتما
‏هل نستطيع تصور إنسان لاهو أبيض ولا أسود ولا أصفر ولا أحمر ولاطويل ولاقصير
‏ويقاس على ذلك سائر المعاني التي لها تجرد كلي"
‏يوسف كرم/العقل والوجود/ص13
‏النقليين السابقين يوضحان تطرف الحسيين حتى أنهم نقضو العلم بنقضهم للكليات التي هي أساسه ونقضوا اللغه بنقضهم المعاني
‏وهو عين ماحدث مع ابن تيمية ووصل إليه وفي هذا المضمار كفانا السلفية أنفسهم التطويل فلهم أبحاث في التفاخر بأسبقية ابن تيمية للإسمية والوضعية المنطقية والنظريات اللغوية التفكيكية الحديثة
‏بل عين النقود التي نقلها يوسف كرم في هذا المجال عن فلاسفة الغرب هي ما احتج بها ابن تيمية وابن القيم في منهجهما هذا..
‏فنجد ابن القيم مقررا نفس الكلام يقول عن مثبتي المعاني
‏"فأثبتو إنسانا لاطويلا ولاقصيرا ولا أسودا ولا أبيضا ولا ساكنا ولامتحركا.."
‏مختصر الصواعق/٥٩/٢

‏ونجد ابن تيمية يقرر أن اللفظ المطلق لاوجود له "أسد ، نمر ، شجرة" ولايفيد أي معنى وإنما الإفادة تكون بالتقييد الجزئي الحسي بمعنى أنه لاوجود لمعنى لكلمة "أسد" وإنما حين يتم استعمالها في جملة يتم "صناعة معنى لها" ولو كان في كل جملة بمعنى مختلف فيعتبرها جميعا معناها الحقيقي ! 
‏فمن سياق المتكلم على شيء معين يتحدد معنى اللفظ لا أن اللفظ له معنى معين والسياق معين على فهم أتم..
‏فمافعله ابن تيمية هنا أن اللغة جميعا تم هدمها سواء المعاجم أو القواعد على هذا الأصل وكذلك الأصول الفقهية تم هدمها فلامعنى للمجاز والنقل والاشتراك والإجمال..الخ مادام لم يكن هناك وضع
‏بل على هذا المذهب لم يعد هناك ظاهر لأي نص لأنه لم يعد هناك مقياس فالمقياس الوحيد أصبح نسبي كنسبية العقل عنده..
‏وهذه النظرية التي تهدم اللغة وعلومها والأصول وعلومها لم أكن لأتطرق إليها لولا أنني وجدت عبدالله العجيري في برنامجه المسمى "صناعة المحاور" الموجه بحسب زعمه لصناعة محاور متأصل إسلاميا يقرر هذه النظرية التي تخالف العلوم الاسلامية جملة بل تأسس لكل المناحي التي تهاجم الإسلام مثل "القراءات المعاصرة الشحرورية وغيرها" ولاريب جعله هذا الشذوذ منهجا إسلامي لأن الاسلام كاملا انحصر عنده بحسب عقيدته في بضعة أشخاص ولو كان منهجهم يهدم منهج الإسلام أصلا ويعارضه طولا وعرضا!
‏فيقول العجيري في محاضرته المفرغة المعتمدة في "صناعة المحاور2" بمسمى الاستدلال العقدي عند السنة "السنة الذين اتضح في هذه السلسلة انهم شذوذ منهجي وليس السنة والجماعه حقيقة"
‏يقول في باب "انكار ابن تيمية للمجاز":
‏"أذكر مثالا يقول ابن تيمية
‏(اللفظ لايستعمل قط مطلقا، لايكون إلا مقيدا تقيد بعد العقد والتركيب..)
‏يعني : ابن تيمية يؤصل لفكرة معينة هي أن اللفظ المفردة لاتفيد معنى بذاتها
‏يعني إذا قلت لكم عين مالمعنى الذي قصدته...يمكن جاسوس أو عين الماء أو عين باصرة...
‏لايستطيع الانسان أن يدرك المعنى المراد الا إذا وضعت المفردة في سياق وجملة"
‏تفريغ محاضرة منهج الاستدلال/العجيري ص23

‏استخدم العجيري هنا لتمرير نظرية ابن تيمية الهادمة في الوضع واللغة أسلوب التدلييس باستخدامه لفظة "عين" التي نص علماء اللغة على انها """مجملة!"""
‏ولتوضيح تدليسه العجيب ليكون صورة لما يفعله هؤلاء القوم من تدليس
‏فكما تقرر عند اللغويين والأصوليين أن معيار المعنى الوضع الأول الذي وضعته العرب
‏فالعرب وضعت وضعا أولا لفظ "الأسد" للحيوان المعروف
‏وحين نستعمله في معنى آخر "كالرجل الشجاع" فهذا مجاز لأنه مخالف للوضع
‏لذا كان "الأسد" لفظ يفيد معنى مطلقا بتجرده وهو المعنى الحقيقي ولايحتاج لقرينة إلا حين يستعمل في غير وضعه..
‏إلا أن هناك ألفاظ قليلة جدا وضعتها العرب وضعا أوليا لمعاني عديدة مثل "القرء" و"العين"
‏وقد وضعتهما في الوضع الأول لعدة معاني بخلاف"الأسد" لذا لايمكن تحديد معناه إن اطلق دون سياق مطلقا لأن له معاني متساوية وسمو هذا اللفظ ب"المجمل"
‏وهذا كله عبر استدلالات عقلية ولغوية وفلسفية متينة يمكن مراجعتها مثلا في "المعالم بشرح التلمساني في أصول الفقه"..

‏فالتدليس هنا لم استخدم العجيري لإيصال نظرية شيخه الذي يتبعه مغمضا عينيه لفظا أصلا نفس الأصوليين نصّوا على أنه مجمل لايتحدد معناه إلا بالقرينة لينصر نظرية ابن تيمية التي تجعل كل اللغة "مجملات؟!!
‏فلم لم يستخدم لفظة "أسد" التي تفيد معنى لغوي بذكرها حتى دون سياق أو غيرها من الألفاظ الغير المجملة ليظهر تعارض نظرية ابن تيمية التي يسوقها له مع كل اللغوين والأصوليين والعلوم الإسلامية!!
‏بل ابن تيمية نفسه استخدام في الإستدلال لنظريته بألفاظ ليست مجملة أي قرر العلماء أنها وضعت وضعا واحد ك "ذوق ، الأسد ، ظهر" واستخدم ابن القيم ألفاظا غير مجملة لتبرير نظرية شيخه مثل "جناح" الذي جعله حقيقة في الطائرالحيواني وفي الذل "جناح الذل"
‏ ولم يستخدموا ألفاظا نصّ الأصوليون واللغوين أنها مجملة مثل العين لينقضوا اللغة والمجاز فلم لايكون العجيري بشجاعتهم بدل محاولة التدليس المخزية هذه واعتمادها!
‏وهناك نقطة أخرى فحين اختار العجيري تسويق هذه المنهجية هل فكر في لوازمها
‏وهو صانع المحاور الإسلامي ؟!
‏كيف يريده يحاور "من يقرأ القرآن قراءة معاصرة"!
‏كيف سيرد على من يحرف الدلالات إن احتج عليه بأنه لم ينتقل لمعنى مجازي حتى يحتاج لدليل وبأن السياق هو من يحدد المعنى كما يقول ابن تيمية وبأن كل المعاني حقيقية مهما تناقضت لأنه لامعيار!
‏ولكننا نجد هذا متسق مع منهجية التدليس المعتمدة بسبب عصبية حزبية عنده فالعجيري يسمي محاضرته هذه "اصول الاستدلال عند أهل السنة والجماعة" ورغم أن أهل السنة والجماعة لفظان لهما مدلولان أحدهما اتصال السند والآخر جمهور الأمة وكلاهما يخالفهم ابن تيمية تم استخدام العنوان لتمرير نظرية تهدم أصول الجماعة وتخالف السنة جملة وتفصيلا.
‏والعجب كل العجب عن أي جماعة يتحدث العجيري وطرحه لايتجاوز ابن تيمية وابن القيم حتى الفرق البائدة علماؤهم أضعاف هذا العدد فأين الجماعة وأنت منهج شاذ لاتجد له سند سوى من متأخر من الخلف كابن تيمية وتلميذه؟!
‏والأغرب من العجيري هم متعقلنوا المتمسلفية من اتباع ابن تيمية ولو على جثة منهجه
‏فتجدهم يحتجون على الحداثيين بأصول الفقه وبأن اللغة "وضعت وضعا أوليا" فلا يصار للمعنى السرياني لأنه مخالف للوضع ولا يسار للمعنى الشحروري لأنه مخالف للوضع ..الخ ويحصدون من هذا العمل التمجيد رغم أنه عمل يرد على عقيدتهم واصولهم التي لاتتجاوز ابن تيمية..
‏فتماما كما في المنطق "يشتغل ضد الملاحدة ويتعطل عند عقيدتنا" حين يتعلق الأمر بالعقيدة والصفات والتأويل يضربون بنفس تلك المناهج الأصولية التي للتو سردوها أمام الحداثي عرض الحائط
‏ويصبح المجاز "طاغوت" بحسب تعبير ابن القيم واللفظ لايفيد لوحده بحسب ابن تيمية والتأويل اثبات لكذب الله ..الى آخر لوازم هذا التهافت المنهجي
‏ولن أطيل النقول هنا فيكفي التنبيه على هذا التهافت الذي لزمه إنكار العلوم كلها لأن مدارها الكلية والضرورة وهما مجردان غير خاضعان للحس
‏والعلوم الإسلامية خصوصا "كالمنطق واصول الفقه واللغة" لأنها أيضا تعتمد على الكليات والمعاني المجردة كأي علم آخر بل هي أكثر اعتمادا من العلوم الأخرى عليها
‏وهنا يتضح سبب محاربة السلفية في بداياتهم لأصول الفقه ولازالو إلى اليوم يدعو بعضهم لهذه الدعوة بحجة اعتمادها على العقليات
‏وهذا الجانب متسق منهم مثل ابن تيمية وهو يستحق التقدير فهو ملتزم بمبدأه وما وصل له
‏بخلاف الجانب الآخر الذي تعلق بعلوم أصولها المعرفية تنقض أصوله هو العقدية كما شاهدنا..

‏تطبيقات النظرية اللغوية لابن تيمية:-
‏من تطبيقات النظرية التيمية هذه أنه أصبح المعيار اللغوي نسبي فالحقيقة هي ما أرادها الشخص فلا معايير قائمة يحتكم إليها ولا أصول مما أدى لكثير من استثمار ذلك في المغالطات التي تلبس على العامة من غير المتخصصين
‏فمثلا حين أثبت ابن تيمية لله الأعضاء والجزاء -تعالى الله عن ذلك- لجأ للتلبيس بتسميتها صفات حقيقةً لامجازا مع محاربته للتأويل..
‏ولكن العرب لم تضع كلمة "صفة" على ذوات كاليد والعين والساق وغيرها من الاعضاء التي يثبتها لمعبوده
‏فالعرب قالت أن الصفه هي مايخبر به عن الموصوف وتحمل عليه حمل مواطأة "هو هو"
‏وهي معنوية مثل "عمر حليم أو خبير أو حكيم" فهنا أخبرنا بصفة على الموصوف وحملناها عليه دون واسطة
‏أما مالايخبر به عن الموصوف ويكون ذاتا ولايحمل إلا بواسطة "هو ذو"
‏فليس صفة وإنما جزء وجارحة
‏مثلا " عمر ذو يد ، علي ذو ساق" ولانستطيع قول "عمر يد وعلي ساق" فهي ليست صفات
‏وتسميتها صفات تكون مجازا وتأويلا حتى غير مقبول بحسب ضوابط المجاز
‏فكيف سماها ابن تيمية صفات رغم اختلاف حقيقتها..
‏مافعله ابن تيمية أنه أول تأويلا غير مقبول حتى بضوابط الأصوليين فصرف اللفظ "صفات" عن ظاهره الذي وضع له ليجعل عقيدته مقبولة
‏رغم أنه هو نفسه يفرق بين "صفات أعيان يشار إليها حسا كاليد والساق والوجه والعين وصفات معاني كالقدرة والعلم والحياة"
‏و تفكيكيته اللغوية أتاحت له أن يؤول تأويلا غير مقبول وفوق ذلك يسميه حقيقة ويحارب الآخرين بحجج أنهم مؤولة!
‏ولذا نجده هو وأتباعه يستثمرون هذا الهدم فغالبا في ردودهم لايفرقون بين "اليد والعين والقدم والساق / مع العلم والحياة والقدرة والإرادة"
‏ويجعلونها شيئا واحدا فيقولون كما أثبت صفة الحياة أثبت صفة اليد! وهي صفة لأنهم سموها ذلك وهذه سطحية ما بعدها سطحية
‏رغم أنهم في غير مواقف الردود يفرقون بينها بأن الأولى أعيان والعين تعبير عن الجزء والجارحة والأخرى معانٍ..
‏وهكذا يتم استثمار مثل هذه النظرية في المغالطات والتغليط وتحويل الخلاف مرة إلى لفظي ومرة الى معنوي بحسب المصلحة والمنفعة لا بحسب الحق والواقع.

‏وبهذا نكون أتتمنا مطابقة ابن تيمية مع المنهج الحسي الذي استنبطناه في التدوينة الثانية من تعريف د.يوسف كرم 
‏ولخصناه في أربعة محاور
‏1-حصر وسائل المعرفة في الحس ونفي العقل
‏2-حصر الوجود في المادة "الاجسام والأعراض"
‏3-نقض المنطق والأصول الفلسفية العلمية
‏4-نقض اللغة
‏وقد اوضحنا بتبسيط وجمع منهج ابن تيمية المتطابق معه وانتهينا من ذلك..

ابن تيمية وعقيدة التجسيم.. إثباته الحد والتحيز/ التركيب / والحجم والثقل 4

بعد اكمال السلسلة الأولى في الأصول الفلسفية والمعرفية لعقيدة ابن تيمية بدأت في كتابة سلسلة أخرى توضح فروع تلك الاصول التي اتسق فيها ابن...